بسم الله الرحمن الرحيم
(1) مقدمة تلخيص صحيح الإمام مسلم
قال الشيخ الفقيه ، الإمام العالم المحدث ،
أبو العباس ابن الشيخ الفقيه أبي حفص عمر ، الأنصاري القرطبي - رحمه الله - :
الحمد لله بمجامع محامده التي لا يبلغ منتهاها ، والشكر له على آلائه ، وإن لم يكن أحد أحصاها .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة محقق أصولها محيط بمعناها ، وأشهد أن محمدا رسول حل من ربا النبوة أعلاها فعلاها ، وحمل من أعباء الرسالة إدها ، فاضطلع بها وأداها ، فجلا الله به عن البصائر رينها ، وعن الأبصار عشاها ، صلى الله عليه من الصلوات أفضلها وأزكاها ، وأبلغه عنا
nindex.php?page=treesubj&link=1913_30563_32109_28328_30655_29338_32273_32369_32370_32374_6416_28444_7927_8435_30789_30845_30873_30876_30880_19712_19476_7701_19007_18987_32742_17793_16359_31009_23468_33434_30437_29497من التحيات أكملها وأولاها ، ورضي الله عن عترته وأزواجه وصحابته ما سفرت شمس عن ضحاها ، وبعد :
فلما قضت نتائج العقول ، وأدلة الشرع المنقول : أن سعادة الدارين منوطة بمتابعة هذا الرسول ، وأن المحبة الحقيقية باقتفاء سبيله واجبة الحصول
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني [ آل عمران : 31 ] انتهضت همم أعلام العلماء ، والسادة الفضلاء ، إلى البحث عن آثاره : أقواله وأفعاله وإقراره ، فحصلوا ذلك ضبطا وحفظا ، وبلغوه إلى غيرهم مشافهة ونقلا . وميزوا صحيحه من سقيمه ، ومعوجه من مستقيمه ، إلى أن انتهى ذلك إلى إمامي علماء الصحيح ، المبرزين في علم التعديل والتجريح :
nindex.php?page=showalam&ids=12070أبي عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري ،
nindex.php?page=showalam&ids=17080وأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ، فجمعا كتابيهما على شرط الصحة ، وبذلا جهدهما في تبرئتهما من كل علة ، فتم لهما المراد ، وانعقد الإجماع على تلقيبهما باسم الصحيحين أو كاد ، فجازاهما الله عن الإسلام أفضل الجزاء ، ووفاهما من أجر من انتفع بكتابيهما أفضل الإجزاء .
غير أنه قد ظهر لكثير من أئمة النقل ، وجهابذة النقد : أن لمسلم ولكتابه من المزية ; ما يوجب لهما أولوية ; فقد حكى
القاضي أبو الفضل عياض الإجماع على إمامته وتقديمه ، وصحة حديثه ، وتميزه ، وثقته ، وقبول كتابه . وكان أبو زرعة وأبو حاتم يقدمانه في الحديث على مشايخ عصرهما .
وقال
أبو علي الحسن بن علي النيسابوري : ما تحت أديم السماء أصح من كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وقال
أبو مروان الطيبي : كان من شيوخي من يفضل كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم على كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
وقال
مسلم بن قاسم في تاريخه : مسلم جليل القدر ، ثقة ، من أئمة المحدثين ، وذكر كتابه في الصحيح ، فقال : لم يضع أحد مثله .
وقال
أبو حامد بن الشرقي : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلما يقول : ما وضعت شيئا في هذا المسند إلا بحجة ، وما أسقطت منه إلا بحجة .
وقال
ابن سفيان : قال
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : ليس كل الصحيح وضعت هنا ، إنما وضعت ما أجمعوا عليه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : لو أن أهل الحديث يكتبون الحديث مائتي سنة ، فمدارهم على هذا المسند ، ولقد عرضت كتابي هذا على
nindex.php?page=showalam&ids=12013أبي زرعة الرازي ; فكل ما أشار إلى أن له علة تركته ، وما قال : هو صحيح ليس له علة أخرجته .
هذا مع أن الكتاب أحسن الأحاديث مساقا ، وأكمل سياقا ، وأقل تكرارا ، وأتقن اعتبارا ، وأيسر للحفظ ، وأسرع للضبط ، [مع] أنه ذكر صدرا من علم الحديث ، وميز طبقات المحدثين في القديم والحديث .
ولما كان هذا الكتاب بهذه الصفة ، ومصنفه بهذه الحالة ، ينبغي أن يخص بفضل عناية ; من تصحيح وضبط ورواية ; وحفظ وتفقه ودراية .
إذ الاعتناء بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرف الأقدار ; وينهض الحجة ويسدد الاعتبار ; وينفع البصائر ، ويفتح الأبصار ; ويميز [عن]الجهلة ، ويلحق بالأئمة الأبرار ، ويدخل الجنة وينجي من النار .
وقد أعان الكريم الوهاب على الاعتناء بهذا الكتاب ، فتلقيته رواية وتقييدا عن جماعة من أعلام العلماء ; وثافنت في التفقه فيه بعض سادات الفقهاء .
فممن رويت عنه :
الشيخ الفقيه القاضي المحدث الثقة الثبت ،
أبو الحسن علي ابن الشيخ الزاهد الفاضل ، المحدث المقيد ;
أبي عبد الله محمد بن علي بن حفص اليحصبي ، قراءة عليه ، وهو يمسك أصله نحو المرتين ، في مدة آخرها شعبان سنة سبع وستمائة .
والشيخ الفقيه القاضي الأعدل ، العلم الأعلم ،
أبو محمد عبد الله بن سليمان بن داود بن حوط الله ، قراءة عليه ، وسماعا لكثير منه ، وإجازة لسائره ، وذلك بقرطبة في مدة آخرها ما تقدم :
قالا جميعا : حدثنا الشيخ الإمام الحافظ ،
أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكوال ، قراءة عليه ، عن
أبي بحر بن سفيان بن القاضي ، سماعا لجميعه إلا ورقات من آخرها أجازها له ، عن
أبي العباس العذري ، قراءة غير مرة ، عن
أبي العباس بن بندار الرازي ، سماعا
بمكة ، قال :
حدثنا
أبو أحمد بن عمرويه بن الجلودي ، عن
إبراهيم بن محمد بن سفيان ، عن
أبي الحسين مسلم رحمهم الله .
وقد رويته عن غير واحد من الثقات الأعلام ، قراءة وإجازة
بمصر وغيرها ، عن الشيخ الشريف
أبي المفاخر سعيد بن الحسين المأموني الهاشمي سماعا ، عن
الشيخ الإمام أبي عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدي الفراوي ، سماعا ، عن
الشيخ أبي الحسين عبد الغافر الفارسي ، سماعا ، عن
أبي أحمد ; كما تقدم .
وقد رويته عن جماعة كثيرة ; بأسانيد عديدة ، وفيما ذكرناه كفاية ، والله الموفق للهداية .
ولما تقاصرت الهمم في هذا الزمان عن بلوغ الغايات ; من حفظ جميع هذا الكتاب ; بما اشتمل عليه من الأسانيد والروايات ، أشار من إشارته غنم ; وطاعته حتم إلى تقريبه على المتحفظ ; وتيسيره على المتفقه ; بأن نختصر أسانيده ، ونحذف تكراره ، وننبه على ما تضمنته أحاديثه بتراجم تسفر عن معناها ، وتدل الطالب على موضعها وفحواها .
[ ص: 85 ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(1) مُقَدِّمَةُ تَلْخِيصِ صَحِيحِ الْإِمَامِ مُسْلِمٍ
قَالَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ ، الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْمُحَدِّثُ ،
أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ الشَّيْخِ الْفَقِيهِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ ، الْأَنْصَارِيُّ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
الْحَمْدُ لِلَّهِ بِمَجَامِعِ مَحَامِدِهِ الَّتِي لَا يُبْلَغُ مُنْتَهَاهَا ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى آلَائِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَحْصَاهَا .
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، شَهَادَةَ مُحَقِّقٍ أُصُولَهَا مُحِيطٍ بِمَعْنَاهَا ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولٌ حَلَّ مِنْ رُبَا النُّبُوَّةِ أَعْلَاهَا فَعَلَاهَا ، وَحَمَلَ مِنْ أَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ إِدَّهَا ، فَاضْطَلَعَ بِهَا وَأَدَّاهَا ، فَجَلَا اللَّهُ بِهِ عَنِ الْبَصَائِرِ رَيْنَهَا ، وَعَنِ الْأَبْصَارِ عَشَاهَا ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَوَاتِ أَفْضَلَهَا وَأَزْكَاهَا ، وَأَبْلَغَهُ عَنَّا
nindex.php?page=treesubj&link=1913_30563_32109_28328_30655_29338_32273_32369_32370_32374_6416_28444_7927_8435_30789_30845_30873_30876_30880_19712_19476_7701_19007_18987_32742_17793_16359_31009_23468_33434_30437_29497مِنَ التَّحِيَّاتِ أَكْمَلَهَا وَأَوْلَاهَا ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ عِتْرَتِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَصَحَابَتِهِ مَا سَفَرَتْ شَمْسٌ عَنْ ضُحَاهَا ، وَبَعْدُ :
فَلَمَّا قَضَتْ نَتَائِجُ الْعُقُولِ ، وَأَدِلَّةُ الشَّرْعِ الْمَنْقُولِ : أَنَّ سَعَادَةَ الدَّارَيْنِ مَنُوطَةٌ بِمُتَابَعَةِ هَذَا الرَّسُولِ ، وَأَنَّ الْمَحَبَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ بِاقْتِفَاءِ سَبِيلِهِ وَاجِبَةُ الْحُصُولِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي [ آلِ عِمْرَانَ : 31 ] انْتَهَضَتْ هِمَمُ أَعْلَامِ الْعُلَمَاءِ ، وَالسَّادَةِ الْفُضَلَاءِ ، إِلَى الْبَحْثِ عَنْ آثَارِهِ : أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَإِقْرَارِهِ ، فَحَصَّلُوا ذَلِكَ ضَبْطًا وَحِفْظًا ، وَبَلَّغُوهُ إِلَى غَيْرِهِمْ مُشَافَهَةً وَنَقْلًا . وَمَيَّزُوا صَحِيحَهُ مِنْ سَقِيمِهِ ، وَمُعْوَجَّهِ مِنْ مُسْتَقِيمِهِ ، إِلَى أَنِ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى إِمَامَيْ عُلَمَاءِ الصَّحِيحِ ، الْمُبَرِّزِينَ فِي عِلْمِ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ :
nindex.php?page=showalam&ids=12070أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِّ الْبُخَارِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17080وَأَبِي الْحُسَيْنِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْقُشَيْرِيِّ النَّيْسَابُورِيِّ ، فَجَمَعَا كِتَابَيْهِمَا عَلَى شَرْطِ الصِّحَّةِ ، وَبَذَلَا جُهْدَهُمَا فِي تَبْرِئَتِهِمَا مِنْ كُلِّ عِلَّةٍ ، فَتَمَّ لَهُمَا الْمُرَادُ ، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَلْقِيبِهِمَا بِاسْمِ الصَّحِيحَيْنِ أَوْ كَادَ ، فَجَازَاهُمَا اللَّهُ عَنِ الْإِسْلَامِ أَفْضَلَ الْجَزَاءِ ، وَوَفَّاهُمَا مِنْ أَجْرِ مَنِ انْتَفَعَ بِكِتَابَيْهِمَا أَفْضَلَ الْإِجْزَاءِ .
غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ لِكَثِيرٍ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ ، وَجَهَابِذَةِ النَّقْدِ : أَنَّ لِمُسْلِمٍ وَلِكِتَابِهِ مِنَ الْمَزِيَّةِ ; مَا يُوجِبُ لَهُمَا أَوْلَوِيَّةً ; فَقَدْ حَكَى
الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى إِمَامَتِهِ وَتَقْدِيمِهِ ، وَصِحَّةِ حَدِيثِهِ ، وَتَمْيِزِهِ ، وَثِقَتِهِ ، وَقَبُولِ كِتَابِهِ . وَكَانَ أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ يُقَدِّمَانِهِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَشَايِخِ عَصْرِهِمَا .
وَقَالَ
أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ : مَا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ أَصَحُّ مِنْ كِتَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ .
وَقَالَ
أَبُو مَرْوَانَ الطِّيبِيُّ : كَانَ مِنْ شُيُوخِي مَنْ يُفَضِّلُ كِتَابَ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ عَلَى كِتَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ .
وَقَالَ
مُسْلِمُ بْنُ قَاسِمٍ فِي تَارِيخِهِ : مُسْلِمٌ جَلِيلُ الْقَدْرِ ، ثِقَةٌ ، مِنْ أَئِمَّةِ الْمُحَدِّثِينَ ، وَذَكَرَ كِتَابَهُ فِي الصَّحِيحِ ، فَقَالَ : لَمْ يَضَعْ أَحَدٌ مِثْلَهُ .
وَقَالَ
أَبُو حَامِدِ بْنُ الشُّرَقِيِّ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمًا يَقُولُ : مَا وَضَعْتُ شَيْئًا فِي هَذَا الْمُسْنَدِ إِلَّا بِحُجَّةٍ ، وَمَا أَسْقَطْتُ مِنْهُ إِلَّا بِحُجَّةٍ .
وَقَالَ
ابْنُ سُفْيَانَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ : لَيْسَ كُلُّ الصَّحِيحِ وَضَعْتُ هُنَا ، إِنَّمَا وَضَعْتُ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ : لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ يَكْتُبُونَ الْحَدِيثَ مِائَتَيْ سَنَةٍ ، فَمَدَارُهُمْ عَلَى هَذَا الْمُسْنَدِ ، وَلَقَدْ عَرَضْتُ كِتَابِي هَذَا عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=12013أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ ; فَكُلَّ مَا أَشَارَ إِلَى أَنَّ لَهُ عِلَّةً تَرَكْتُهُ ، وَمَا قَالَ : هُوَ صَحِيحٌ لَيْسَ لَهُ عِلَّةٌ أَخْرَجَتْهُ .
هَذَا مَعَ أَنَّ الْكِتَابَ أَحْسَنُ الْأَحَادِيثِ مَسَاقًا ، وَأَكْمَلُ سِيَاقًا ، وَأَقَلُّ تَكْرَارًا ، وَأَتْقَنُ اعْتِبَارًا ، وَأَيْسَرُ لِلْحِفْظِ ، وَأَسْرَعُ لِلضَّبْطِ ، [مَعَ] أَنَّهُ ذَكَرَ صَدْرًا مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ ، وَمَيَّزَ طَبَقَاتِ الْمُحَدِّثِينَ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ .
وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْكِتَابُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَمُصَنِّفُهُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ ، يَنْبَغِيَ أَنْ يُخَصَّ بِفَضْلِ عِنَايَةٍ ; مِنْ تَصْحِيحٍ وَضَبْطٍ وَرِوَايَةٍ ; وَحِفْظٍ وَتَفَقُّهٍ وَدِرَايَةٍ .
إِذِ الِاعْتِنَاءُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُشَرِّفُ الْأَقْدَارَ ; وَيُنْهِضُ الْحُجَّةَ وَيُسَدِّدُ الِاعْتِبَارَ ; وَيَنْفَعُ الْبَصَائِرَ ، وَيَفْتَحُ الْأَبْصَارَ ; وَيُمَيِّزُ [عَنِ]الْجَهَلَةِ ، وَيُلْحِقُ بِالْأَئِمَّةِ الْأَبْرَارِ ، وَيُدْخِلُ الْجَنَّةَ وَيُنْجِي مِنَ النَّارِ .
وَقَدْ أَعَانَ الْكَرِيمُ الْوَهَّابُ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِهَذَا الْكِتَابِ ، فَتَلَقَّيْتُهُ رِوَايَةً وَتَقْيِيدًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَعْلَامِ الْعُلَمَاءِ ; وَثَافَنْتُ فِي التَّفَقُّهِ فِيهِ بَعْضَ سَادَاتِ الْفُقَهَاءِ .
فَمِمَّنْ رَوَيْتُ عَنْهُ :
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْقَاضِي الْمُحَدِّثُ الثِّقَةُ الثَّبْتُ ،
أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ ابْنُ الشَّيْخِ الزَّاهِدِ الْفَاضِلِ ، الْمُحَدِّثِ الْمُقَيِّدِ ;
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَفْصٍ الْيَحْصِبِيُّ ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ ، وَهُوَ يُمْسِكُ أَصْلَهُ نَحْوَ الْمَرَّتَيْنِ ، فِي مُدَّةٍ آخِرُهَا شَعْبَانُ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتُّمَائَةٍ .
وَالشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْقَاضِي الْأَعْدَلُ ، الْعَلَمُ الْأَعْلَمُ ،
أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ حَوْطِ اللَّهِ ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ ، وَسَمَاعًا لِكَثِيرٍ مِنْهُ ، وَإِجَازَةً لِسَائِرِهِ ، وَذَلِكَ بِقُرْطُبَةَ فِي مُدَّةٍ آخِرُهَا مَا تَقَدَّمَ :
قَالَا جَمِيعًا : حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ،
أَبُو الْقَاسِمِ خَلَفُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ بَشْكُوَالَ ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ ، عَنْ
أَبِي بَحْرِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ الْقَاضِي ، سَمَاعًا لِجَمِيعِهِ إِلَّا وَرَقَاتٍ مِنْ آخِرِهَا أَجَازَهَا لَهُ ، عَنْ
أَبِي الْعَبَّاسِ الْعُذْرِيِّ ، قِرَاءَةً غَيْرَ مَرَّةٍ ، عَنْ
أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ بُنْدَارَ الرَّازِيِّ ، سَمَاعًا
بِمَكَّةَ ، قَالَ :
حَدَّثَنَا
أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَمْرُوَيْهِ بْنِ الْجُلُودِيِّ ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ، عَنْ
أَبِي الْحُسَيْنِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ .
وَقَدْ رُوِّيتُهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الثِّقَاتِ الْأَعْلَامِ ، قِرَاءَةً وَإِجَازَةً
بِمِصْرِ وَغَيْرِهَا ، عَنِ الشَّيْخِ الشَّرِيفِ
أَبِي الْمَفَاخِرِ سَعِيدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمَأْمُونِيِّ الْهَاشِمِيِّ سَمَاعًا ، عَنِ
الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّاعِدِيِّ الْفَرَاوِيِّ ، سَمَاعًا ، عَنِ
الشَّيْخِ أَبِي الْحُسَيْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ الْفَارِسِيِّ ، سَمَاعًا ، عَنْ
أَبِي أَحْمَدَ ; كَمَا تَقَدَّمَ .
وَقَدْ رُوِّيتُهُ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ ; بِأَسَانِيدَ عَدِيدَةٍ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلْهِدَايَةِ .
وَلَمَّا تَقَاصَرَتِ الْهِمَمُ فِي هَذَا الزَّمَانِ عَنْ بُلُوغِ الْغَايَاتِ ; مِنْ حِفْظِ جَمِيعِ هَذَا الْكِتَابِ ; بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَسَانِيدِ وَالرِّوَايَاتِ ، أَشَارَ مَنْ إِشَارَتُهُ غُنْمٌ ; وَطَاعَتُهُ حَتْمٌ إِلَى تَقْرِيبِهِ عَلَى الْمُتَحَفِّظِ ; وَتَيْسِيرِهِ عَلَى الْمُتَفَقِّهِ ; بِأَنْ نَخْتَصِرَ أَسَانِيدَهُ ، وَنَحْذِفَ تَكْرَارَهُ ، وَنُنَبَّهَ عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ أَحَادِيثُهُ بِتَرَاجِمَ تُسْفِرُ عَنْ مَعْنَاهَا ، وَتَدُلُّ الطَّالِبَ عَلَى مَوْضِعِهَا وَفَحْوَاهَا .
[ ص: 85 ]