الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
3098 [ 1740 ] وعنه، nindex.php?page=hadith&LINKID=660106أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " nindex.php?page=treesubj&link=33073_30451إن النذر لا يقرب من ابن آدم شيئا لم يكن الله قدره، ولكن النذر يوافق القدر، فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج".
و (قوله صلى الله عليه وسلم: لا تنذروا ! فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا ) هذا النذر محله أن يقول: إن شفى الله مريضي، أو قدم غائبي فعلي عتق رقبة، أو صدقة كذا، أو صوم كذا. ووجه هذا النهي هو: أنه لما وقف فعل هذه القربة على حصول غرض عاجل ظهر: أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله تعالى بما صدر منه، بل سلك فيها مسلك المعاوضة. ألا ترى: أنه لو لم يحصل غرضه لم يفعل؟ ! وهذه حال البخيل؛ فإنه لا يخرج من ماله شيئا إلا بعوض عاجل يربي على ما أخرج. وهذا المعنى هو الذي أشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: ( وإنما يستخرج به من البخيل ما لم يكن البخيل يخرجه ) ثم ينضاف إلى هذا اعتقاد جاهل يظن: أن [ ص: 607 ] النذر يوجب حصول ذلك الغرض، أو: أن الله تعالى يفعل معه ذلك الغرض لأجل ذلك النذر. وإليهما الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: ( فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا ). وهاتان جهالتان. فالأولى تقارب الكفر. والثانية خطأ صراح.
وإذا تقرر هذا، فهل هذا النهي محمول على التحريم، أو على الكراهة؟ المعروف من مذاهب العلماء الكراهة.
قلت: والذي يظهر لي: حمله على التحريم في حق من يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد. فيكون إقدامه على ذلك محرما. والكراهة في حق من لم يعتقد ذلك. والله تعالى أعلم.
وإذا وقع هذا النذر على هذه الصفة لزمه الوفاء به قطعا من غير خلاف. ولقوله صلى الله عليه وسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=656202 (من نذر أن يطيع الله فليطعه) ولم يفرق بين النذر المعلق ولا غيره. ومما يلحق بهذا النهي في الكراهة: النذر على وجه التبرم والتحرج. فالأول: كمن يستثقل عبدا لقلة منفعته، وكثرة مؤنته، فينذر عتقه تخلصا منه، وإبعادا له. وإنما يكره ذلك لعدم تمحض نية القربة. والثاني: أن يقصد التضييق على نفسه، والحمل عليها؛ بأن ينذر كثيرا من الصوم، أو من الصلاة، أو غيرهما مما يؤدي إلى الحرج والمشقة مع القدرة عليه. فأما لو التزم بالنذر ما لا يطيقه لكان ذلك محرما. فأما النذر الخارج عما تقدم: فما كان منه غير معلق على شيء، وكان طاعة؛ جاز الإقدام عليه، ولزم الوفاء به. وأما ما كان منه على جهة الشكر: فهو مندوب إليه؛ كمن شفي مريضه فقال: لله علي أن أصوم كذا، أو أن أتصدق بكذا شكرا لله تعالى.
[ ص: 608 ] وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك كراهة النذر مطلقا. فيمكن حمله على الأنواع التي بينا كراهتها. ويمكن حمله على جميع أنواعه؛ لكن من حيث: إنه أوجب على نفسه ما يخاف عليه التفريط فيه، فيتعرض للوم الشرع وعقوبته. كما قد كره الدخول في الاعتكاف. وعلى هذا فتكون هذه الكراهة من باب تسمية ترك الأولى مكروها. ووجه هذا واضح. وهو: أن فعل القرب من غير التزامها خير محض، عري عن خوف العقاب، بخلاف الملتزم لها؛ فإنه يخاف عليه ذلك فيها. وقد شهد لهذا ذم من قصر فيما التزم في قوله تعالى: nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=27فما رعوها حق رعايتها [الحديد: 27] ولا إشكال في nindex.php?page=treesubj&link=33073أن النذر من جملة العقود والعهود المأمور بالوفاء بها، وأن الوفاء بذلك من أعظم القرب المثنى عليها. وكفى بذلك مدحا وتعزيزا قوله تعالى: nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا [الإنسان: 7].