4520 (58) باب فضائل أبي ذر الغفاري
[ 2382 ] عن عبد الله بن الصامت قال : قال أبو ذر : غفار، وكانوا يحلون الشهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خال لنا فأكرمنا خالنا، وأحسن إلينا ، فحسدنا قومه فقالوا : إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس، فجاء خالنا فنثا علينا الذي قيل له، فقلت : أما ما مضى من معروفك فقد كدرته، ولا جماع لك فيما بعد، فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها، وتغطى خالنا ثوبه فجعل يبكي، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتيا الكاهن فخير أنيسا ، فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها. قال : وقد صليت يا ابن أخي! قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين ! قلت : لمن؟ قال : لله ! قلت : فأين توجه؟ قال : أتوجه حيث يوجهني ربي، أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس. فقال أنيس : إن لي حاجة بمكة فاكفني ! فانطلق أنيس حتى أتى مكة فراث علي، ثم جاء ، فقلت : ما صنعت؟ قال : لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم أن الله أرسله ! قلت : فما يقول الناس؟ قال : يقولون شاعر ، ساحر ، كاهن - وكان أنيس أحد الشعراء ، قال أنيس : لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون. قال : قلت : فاكفني حتى أذهب فأنظر.
وفي رواية : قال : نعم، وكن على حذر من أهل مكة، فإنهم قد شنفوا له وتجهموا . قال : فأتيت مكة فتضعفت رجلا منهم، فقلت : أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إلي فقال : الصابئ ! فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيا علي ! قال : فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر . قال : فأتيت زمزم فغسلت عني الدماء وشربت من مائها، ولقد لبثت يا ابن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع. قال : فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب على أصمختهم فما يطوف بالبيت أحد، وامرأتان منهم تدعوان إسافا ونائلة . قال : فأتتا علي في طوافهما، فقلت : أنكحا أحدهما الآخر . قال : فما تناهتا عن قولهما . قال : فأتتا علي، فقلت : هن مثل الخشبة - غير أني لا أكني ، فانطلقتا تولولان وتقولان : لو كان ها هنا أحد من أنفارنا ! قال : فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما هابطتان ، قال : وأبو بكر الكعبة وأستارها ! قال : ما قال لكما؟ قالتا : إنه قال لنا كلمة تملأ الفم ! وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استلم الحجر ثم طاف ما لكما؟ قالتا : الصابئ بين بالبيت هو وصاحبه، ثم صلى، فلما قضى صلاته - قال فكنت أول من حياه بتحية الإسلام . قال : فقلت السلام عليك يا رسول الله! فقال : "وعليك ورحمة الله" . ثم قال : من أنت؟ قال : قلت : من أبو ذر : غفار . قال : فأهوى بيده فوضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي : كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده فقدعني صاحبه، وكان أعلم به مني، ثم رفع رأسه فقال : "متى كنت ها هنا" ؟ قال : قد كنت ها هنا منذ ثلاثين بين ليلة ويوم . قال : فمن كان يطعمك؟ قال : قلت : ما كان لي طعام إلا ماء زمزم ، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما أجد على كبدي سخفة جوع ! قال : إنها مباركة ، إنها طعام طعم. فقال يا رسول الله ، ائذن لي في طعامه الليلة ! فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر : وانطلقت معهما ، ففتح وأبو بكر، بابا، فجعل يقبض لنا من زبيب أبو بكر الطائف، فكان ذلك أول طعام أكلته بها، ثم غبرت ما غبرت، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل لا أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عني قومك عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم ؟ فأتيت أنيسا ، فقال : ما صنعت؟ قلت : صنعت أني قد أسلمت وصدقت . قال : ما بي رغبة عن دينك ، فإني قد أسلمت وصدقت ! فأتينا أمنا ، فقالت : ما بي رغبة عن دينكما، فإني قد أسلمت وصدقت ! فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفارا، فأسلم نصفهم، وكان يؤمهم إيماء بن رحضة الغفاري وكان سيدهم ، وقال نصفهم : إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسلمنا ! فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأسلم نصفهم الباقي، وجاءت أسلم فقالوا : يا رسول الله ، إخوتنا ! نسلم على الذي أسلموا عليه - فأسلموا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله . خرجنا من قومنا
وفي رواية قال : فتنافرا إلى رجل من الكهان . قال : فلم يزل أخي أنيس يمدحه حتى غلبه . قال : فأخذنا صرمته فضممناها إلى صرمتنا .
وفيها أيضا قال : فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام . وفيها بعد " بتحية الإسلام " قال : قلت : السلام عليك يا رسول الله ! قال : وعليك السلام ، من أنت؟
وفيها : فقال أتحفني بضيافته الليلة. أبو بكر :
رواه ( 5 \ 174 )، أحمد (2473). ومسلم
[ 2383 ] وعن قال : ابن عباس مبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر بمكة قال لأخيه : اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني . فانطلق الآخر حتى قدم مكة وسمع من قوله، ثم رجع إلى فقال : رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاما ما هو بالشعر. فقال : ما شفيتني فيما أردت ! فتزود وحمل شنة له فيها ماء حتى قدم مكة ، فأتى المسجد فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه، وكره أن يسأل عنه ، حتى أدركه - يعني الليل - فاضطجع، فرآه علي فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه ، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، فظل ذلك اليوم؛ ولا يرى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه فمر به علي ، فقال : ما أنى للرجل أن يعلم منزله؟ فأقامه ، فذهب به معه، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثالث فعل مثل ذلك، فأقامه علي معه، ثم قال له : ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد ؟ قال : إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت ! ففعل فأخبره ، فقال : فإنه حق، وإنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي - ففعل ، فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه ، فسمع من قوله وأسلم مكانه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري ! فقال : والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم ! فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته : أشهد أن لا إله إلا الله وأن أبي ذر محمدا رسول الله ! وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه، فأتى فأكب عليه فقال : ويلكم ! ألستم تعلمون أنه من العباس غفار، وأن طريق تجاركم إلى الشام عليهم ! فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد بمثلها وثاروا إليه فضربوه، فأكب عليه فأنقذه . العباس لما بلغ
رواه ( 4 \ 114 )، أحمد (3861)، والبخاري (2474). ومسلم