فصل [ ميراث البنات ]
المسألة الرابعة : وقد دل صريح النص على أن للواحدة النصف ولأكثر من اثنتين الثلثين ، بقي الثنتان ، فأشكل دلالة القرآن على حكمهما على كثير من الناس ، فقالوا : إنما أثبتناه بالسنة الصحيحة ، وقالت طائفة : بالإجماع ، وقالت طائفة : بالقياس على الأختين . ميراث البنات
قالوا : والله - سبحانه - نص على الأختين دون الأخوات ، ونص على البنات دون البنتين ، فأخذنا حكم كل واحدة من الصورتين المسكوت عنها من الأخرى .
وقالت طائفة : بل أخذ من نصوص القرآن ، ثم تنوعت طرقهم في الأخذ : فقالت طائفة : أخذناه من قوله : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } فإذا أخذ الذكر الثلثين والأنثى الثلث علم قطعا أن حظ الأنثيين الثلثان ، وقالت طائفة : إذا كان للواحدة مع الذكر الثلث ، لا الربع ، فأن يكون لها الثلث مع الأنثى أولى وأحرى ، وهذا من تنبيه النص بالأدنى على الأعلى .
وقالت طائفة : أخذناه من قوله - سبحانه - : { وإن كانت واحدة فلها النصف } فقيد النصف بكونها واحدة ، فدل بمفهومه على أنه لا يكون لها إلا في حال وحدتها ، فإذا كان معها مثلها فإما أن تنقصها عن النصف وهو محال أو يشتركان فيه وذلك يبطل الفائدة في قوله : { وإن كانت واحدة } ويجعل ذلك لغوا موهما خلاف المراد به وهو محال ، فتعين القسم الثالث وهو انتقال الفرض من النصف إلى ما فوقه وهو الثلثان .
[ ص: 280 ] فإن قيل : فأي فائدة في التقييد بقوله : { فوق اثنتين } والحكم لا يختص بما فوقهما ؟ قيل : حسن ترتيب الكلام وتأليفه ومطابقة مضمره لظاهره أوجب ذلك ، فإنه - سبحانه - قال : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك } فالضمير في : { كن } مجموع يطابق الأولاد ، فإن كان الأولاد نساء فذكر لفظ الأولاد وهو جمع وضمير : { كن } وهو ضمير جمع و : { نساء } وهو اسم جمع ، فلم يكن بد من " فوق اثنتين " .
وفيه نكتة أخرى ، وهو أنه - سبحانه - قد ذكر ميراث الواحدة نصا وميراث الاثنين تنبيها كما تقدم ، فكان في ذكر العدد الزائد على الاثنتين دلالة على أن الفرض لا يزيد بزيادتهن على الاثنتين كما زاد بزيادة الواحدة على الأخرى . وأيضا فإن ميراث الاثنتين قد علم من النص ، فلو قال : { فإن كانتا اثنتين } كان تكريرا ، ولم يعلم منه حكم ما زاد عليهما ، فكان ذكر الجمع في غاية البيان والإيجاز ، وتطابق أول الكلام وآخره وحسن تأليفه وتناسبه .
وهذا بخلاف سياق آخر السورة فإنه قال : { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك } فلم يتقدم اسم جمع ولا ضمير جمع يقتضي أن يقول فإن كن نساء فوق اثنتين .
وقد ذكر ميراث الواحدة وأنه النصف فلم يكن بد من ذكر ميراث الأختين وأنه الثلثان ، لئلا يتوهم أن الأخرى إذا انضمت إليها أخذت نصفا آخر ، ودل تشريكه بين البنات وإن كثرن في الثلثين على تشريكه بين الأخوات وإن كثرن في ذلك بطريق الأولى ، فإن البنات أقرب من الأخوات ويسقطن فرضهن ، فجاء بيانه - سبحانه - في كل من الآيتين من أحسن البيان ، فإنه لما بين ميراث الابنتين بما تقرر بين ميراث ما زاد عليهما ، وفي آية الإخوة والأخوات لما بين ميراث الأخت والأختين لم يحتج أن يبين ميراث ما زاد عليهما ، إذ قد علم بيان الزائد على الاثنتين في من هن أولى بالميراث من الأخوات ، ثم بين حكم اجتماع ذكورهم وإناثهم ، فاستوعب بيانه جميع الأقسام .