فصل [ ] الكتابة تجري على وفق القياس
وأما الكتابة فمن قال هي على خلاف القياس قال : هي بيع السيد ماله بماله ، وهذا غلط ، وإنما باع العبد نفسه بمال في ذمته ، والسيد لا حق له في ذمة العبد وإنما حقه في بدنه ، فإن السيد حقه في مالية العبد لا في إنسانيته ، وإنما يطالب العبد بما في ذمته بعد عتقه ، وحينئذ فلا ملك للسيد عليه ، وإذا عرف هذا فالكتابة بيعه نفسه بمال في ذمته ، ثم إذا اشترى نفسه كان كسبه له ونفعه له ، وهو حادث على ملكه الذي استحقه بعقد الكتابة ، ومن تمام حكمة الشارع أنه أخر فيها العتق إلى حين الأداء ; لأن السيد لم يرض بخروجه [ ص: 303 ] عن ملكه إلا بأن يسلم له العوض ، فمتى لم يسلم له العوض وعجز العبد عنه كان له الرجوع في البيع ، فلو وقع العتق لم يمكن رفعه بعد ذلك ، فيحصل السيد على الحرمان ، فراعى الشارع مصلحة السيد ومصلحة العبد ، وشرع الكتابة على أكمل الوجوه وأشدها مطابقة للقياس الصحيح .
وهذا هو القياس في سائر المعاوضات ، وبه جاءت السنة الصحيحة الصريحة الذي لا معارض لها : أن المشتري إذا عجز عن الثمن كان للبائع الرجوع في عين ماله ، وسواء حكم الحاكم بفلسه أم لا ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط حكم الحاكم ، ولا أشار إليه ، ولا دل عليه بوجه ما ، فلا وجه لاشتراطه ، وإنما المعنى الموجب للرجوع هو الفلس الذي حال بين البائع وبين الثمن ، وهذا المعنى موجود بدون حكم الحاكم ، فيجب ترتيب أثره عليه ، وهو محض العدل وموجب القياس ، فإن المشتري لو اطلع على عيب في السلعة كان له الفسخ بدون حكم حاكم ، ومعلوم أن الإعسار عيب في الذمة لو علم به البائع لم يرض بكون ماله في ذمة مفلس ، فهذا محض القياس الموافق للنص ومصالح العباد ، وبالله التوفيق .
وطرد هذا القياس عجز الزوج عن الصداق ، أو عجزه عن الوطء ، وعجزه عن النفقة والكسوة ، وطرده عجز المرأة عن العوض في الخلع أن للزوج الرجعة ، وهذا هو الصواب بلا ريب ، فإنه لم يخرج البضع عن ملكه إلا بشرط سلامة العوض ، وطرده الصلح عن القصاص إذا لم يحصل له ما يصالح عليه فله العود إلى طلب القصاص ، فهذا موجب العدل ومقتضى قواعد الشريعة وأصولها ، وبالله التوفيق .