. [
nindex.php?page=treesubj&link=20567لفظ الكراهة يطلق على المحرم ]
قلت : وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك ، حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم ، وأطلقوا لفظ الكراهة ، فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة ، ثم سهل عليهم لفظ الكراهة وخفت مؤنته عليهم فحمله بعضهم على التنزيه ، وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى ، وهذا كثير جدا في تصرفاتهم ; فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة ، وقد قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في الجمع بين الأختين بملك اليمين : أكرهه ، ولا أقول هو حرام ، ومذهبه تحريمه ، وإنما تورع عن إطلاق لفظ التحريم لأجل قول
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14209أبو القاسم الخرقي فيما نقله عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبي عبد الله : ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة ، ومذهبه أنه لا يجوز ، وقال في رواية
أبي داود : ويستحب أن لا يدخل الحمام إلا بمئزر له ، وهذا استحباب وجوب ، وقال في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=15106إسحاق بن منصور : إذا كان أكثر مال الرجل حراما فلا يعجبني أن يؤكل ماله ، وهذا على سبيل التحريم .
وقال في رواية ابنه
عبد الله : لا يعجبني أكل ما ذبح للزهرة ولا الكواكب ولا الكنيسة ، وكل شيء ذبح لغير الله ، قال الله عز وجل : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به } .
فتأمل كيف قال : " لا يعجبني " فيما نص الله سبحانه على تحريمه ، واحتج هو أيضا بتحريم الله له في كتابه ، وقال في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم : أكره لحوم الجلالة وألبانها ، وقد صرح بالتحريم في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=15772حنبل وغيره ، وقال في رواية ابنه
عبد الله : أكره أكل لحم الحية والعقرب ; لأن الحية لها ناب والعقرب لها حمة ولا يختلف مذهبه
[ ص: 33 ] في تحريمه ، وقال في رواية
حرب : إذا صاد الكلب من غير أن يرسل فلا يعجبني ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9411إذا أرسلت كلبك وسميت } فقد أطلق لفظه " لا يعجبني " على ما هو حرام عنده .
وقال في رواية
جعفر بن محمد النسائي : لا يعجبني المكحلة والمرود ، يعني من الفضة ، وقد صرح بالتحريم في عدة مواضع ، وهو مذهبه بلا خلاف ; وقال
جعفر بن محمد أيضا : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله سئل عن رجل قال لامرأته : كل امرأة أتزوجها أو جارية أشتريها للوطء وأنت حية فالجارية حرة والمرأة طالق ، قال : إن تزوج لم آمره أن يفارقها ، والعتق أخشى أن يلزمه ; لأنه مخالف للطلاق ، قيل له : يهب له رجل جارية ، قال : هذا طريق الحيلة ، وكرهه ، مع أن مذهبه تحريم الحيل وأنها لا تخلص من الأيمان ، ونص على كراهة البطة من جلود الحمر ، وقال : تكون ذكية ، ولا يختلف مذهبه في التحريم ، وسئل عن شعر الخنزير ، فقال : لا يعجبني ، وهذا على التحريم ، وقال : يكره القد من جلود الحمير ، ذكيا وغير ذكي ; لأنه لا يكون ذكيا ، وأكرهه لمن يعمل وللمستعمل ; وسئل عن رجل حلف لا ينتفع بكذا ، فباعه واشترى به غيره ، فكره ذلك ، وهذا عنده لا يجوز ; وسئل عن ألبان الأتن فكرهه وهو حرام عنده ، وسئل عن الخمر يتخذ خلا فقال : لا يعجبني ، وهذا على التحريم عنده ; وسئل عن بيع الماء ، فكرهه ، وهذا في أجوبته أكثر من أن يستقصى ، وكذلك غيره من الأئمة .
وقد نص
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن أن كل مكروه فهو حرام ، إلا أنه لما لم يجد فيه نصا قاطعا لم يطلق عليه لفظ الحرام ; وروى
محمد أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف أنه إلى الحرام أقرب ; وقد قال في الجامع الكبير : يكره الشرب في آنية الذهب والفضة للرجال والنساء ، ومراده التحريم ; وكذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد : يكره النوم على فرش الحرير والتوسد على وسائده ، ومرادهما التحريم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وصاحباه : يكره أن يلبس الذكور من الصبيان الذهب والحرير ، وقد صرح الأصحاب أنه حرام ، وقالوا : إن التحريم لما ثبت في حق الذكور ، وتحريم اللبس يحرم الإلباس ، كالخمر لما حرم شربها حرم سقيها ، وكذلك قالوا : يكره منديل الحرير الذي يتمخط فيه ويتمسح من الوضوء ، ومرادهم التحريم ، وقالوا : يكره بيع العذرة ، ومرادهم التحريم ; وقالوا : يكره الاحتكار في أقوات الآدميين والبهائم إذا أضر بهم وضيق عليهم ، ومرادهم التحريم ; وقالوا : يكره بيع السلاح في أيام
[ ص: 34 ] الفتنة ، ومرادهم التحريم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : يكره بيع أرض
مكة ، ومرادهم التحريم عندهم ; قالوا : ويكره اللعب بالشطرنج ، وهو حرام عندهم ; قالوا : ويكره أن يجعل الرجل في عنق عبده أو غيره طوق الحديد الذي يمنعه من التحرك ، وهو الغل ، وهو حرام ; وهذا كثير في كلامهم جدا .
وأما أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك فالمكروه عندهم مرتبة بين الحرام والمباح ، ولا يطلقون عليه اسم الجواز ، ويقولون : إن أكل كل ذي ناب من السباع مكروه غير مباح ; وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في كثير من أجوبته : أكره كذا ، وهو حرام ; فمنها أن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا نص على كراهة الشطرنج ، وهذا عند أكثر أصحابه على التحريم ، وحمله بعضهم على الكراهة التي هي دون التحريم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في اللعب بالشطرنج : إنه لهو شبه الباطل ، أكرهه ولا يتبين لي تحريمه فقد نص على كراهته ، وتوقف في تحريمه ; فلا يجوز أن ينسب إليه وإلى مذهبه أن اللعب بها جائز وأنه مباح ، فإنه لم يقل هذا ولا ما يدل عليه ; والحق أن يقال : إنه كرهها ، وتوقف في تحريمها ، فأين هذا من أن يقال : إن مذهبه جواز اللعب بها وإباحته ؟ ومن هذا أيضا أنه نص على كراهة تزوج الرجل بنته من ماء الزنا ، ولم يقل قط إنه مباح ولا جائز ، والذي يليق بجلالته وإمامته ومنصبه الذي أجله الله به من الدين أن هذه الكراهة منه على وجه التحريم ، وأطلق لفظ الكراهة لأن الحرام يكرهه الله ورسوله ; وقد قال تعالى عقيب ذكر ما حرمه من المحرمات من عند قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه } إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما } إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=31ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=32ولا تقربوا الزنا } إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34ولا تقربوا مال اليتيم } إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ما ليس لك به علم } إلى آخر الآيات ; ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=38كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها } وفي الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11333إن الله عز وجل كره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال } .
فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله ، ولكن المتأخرون اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم ، وتركه أرجح من فعله ، ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث ، فغلط في ذلك ، وأقبح غلطا منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ " لا ينبغي " في كلام الله ورسوله على المعنى الاصطلاحي الحادث ، وقد اطرد في كلام الله ورسوله استعمال " لا ينبغي " في المحظور شرعا وقدرا وفي المستحيل الممتنع كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=92وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وما علمناه الشعر وما ينبغي له } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=210وما [ ص: 35 ] تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=41874وقوله على لسان نبيه : كذبني ابن آدم وما ينبغي له ، وشتمني ابن آدم وما ينبغي له } وقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11388إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام } وقوله صلى الله عليه وسلم في لباس الحرير : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32058لا ينبغي هذا للمتقين } وأمثال ذلك
. [
nindex.php?page=treesubj&link=20567لَفْظُ الْكَرَاهَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْمُحَرَّمِ ]
قُلْت : وَقَدْ غَلِطَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَئِمَّتِهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ ، حَيْثُ تَوَرَّعَ الْأَئِمَّةُ عَنْ إطْلَاقِ لَفْظِ التَّحْرِيمِ ، وَأَطْلَقُوا لَفْظَ الْكَرَاهَةِ ، فَنَفَى الْمُتَأَخِّرُونَ التَّحْرِيمَ عَمَّا أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْكَرَاهَةَ ، ثُمَّ سَهُلَ عَلَيْهِمْ لَفْظُ الْكَرَاهَةِ وَخَفَّتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمْ فَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى التَّنْزِيهِ ، وَتَجَاوَزَ بِهِ آخَرُونَ إلَى كَرَاهَةِ تَرْكِ الْأَوْلَى ، وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فِي تَصَرُّفَاتِهِمْ ; فَحَصَلَ بِسَبَبِهِ غَلَطٌ عَظِيمٌ عَلَى الشَّرِيعَةِ وَعَلَى الْأَئِمَّةِ ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ : أَكْرَهُهُ ، وَلَا أَقُولُ هُوَ حَرَامٌ ، وَمَذْهَبُهُ تَحْرِيمُهُ ، وَإِنَّمَا تَوَرَّعَ عَنْ إطْلَاقِ لَفْظِ التَّحْرِيمِ لِأَجْلِ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14209أَبُو الْقَاسِمِ الْخِرَقِيِّ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَبِي عَبْدِ اللَّهِ : وَيُكْرَهُ أَنْ يُتَوَضَّأَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَمَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
أَبِي دَاوُد : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرٍ لَهُ ، وَهَذَا اسْتِحْبَابُ وُجُوبٍ ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=15106إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ : إذَا كَانَ أَكْثَرُ مَالِ الرَّجُلِ حَرَامًا فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُؤْكَلَ مَالُهُ ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ
عَبْدِ اللَّهِ : لَا يُعْجِبُنِي أَكْلُ مَا ذُبِحَ لِلزَّهْرَةِ وَلَا الْكَوَاكِبِ وَلَا الْكَنِيسَةِ ، وَكُلُّ شَيْءٍ ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } .
فَتَأَمَّلْ كَيْف قَالَ : " لَا يُعْجِبُنِي " فِيمَا نَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى تَحْرِيمِهِ ، وَاحْتَجَّ هُوَ أَيْضًا بِتَحْرِيمِ اللَّهِ لَهُ فِي كِتَابِهِ ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13665الْأَثْرَمِ : أَكْرَهُ لُحُومَ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانَهَا ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالتَّحْرِيمِ فِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=15772حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ
عَبْدِ اللَّهِ : أَكْرَهُ أَكْلَ لَحْمِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ ; لِأَنَّ الْحَيَّةَ لَهَا نَابٌ وَالْعَقْرَبُ لَهَا حُمَةٌ وَلَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُهُ
[ ص: 33 ] فِي تَحْرِيمِهِ ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
حَرْبٍ : إذَا صَادَ الْكَلْبُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسَلَ فَلَا يُعْجِبُنِي ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9411إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك وَسَمَّيْت } فَقَدْ أَطْلَقَ لَفْظَهُ " لَا يُعْجِبُنِي " عَلَى مَا هُوَ حَرَامٌ عِنْدَهُ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّسَائِيّ : لَا يُعْجِبُنِي الْمُكْحُلَةُ وَالْمِرْوَدُ ، يَعْنِي مِنْ الْفِضَّةِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالتَّحْرِيمِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ ، وَهُوَ مَذْهَبُهُ بِلَا خِلَافٍ ; وَقَالَ
جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَيْضًا : سَمِعْت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا أَوْ جَارِيَةٍ أَشْتَرِيهَا لِلْوَطْءِ وَأَنْتِ حَيَّةٌ فَالْجَارِيَةُ حُرَّةٌ وَالْمَرْأَةُ طَالِقٌ ، قَالَ : إنْ تَزَوَّجَ لَمْ آمُرْهُ أَنْ يُفَارِقَهَا ، وَالْعِتْقُ أَخْشَى أَنْ يَلْزَمُهُ ; لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلطَّلَاقِ ، قِيلَ لَهُ : يَهَبُ لَهُ رَجُلٌ جَارِيَةً ، قَالَ : هَذَا طَرِيقُ الْحِيلَةِ ، وَكَرِهَهُ ، مَعَ أَنَّ مَذْهَبَهُ تَحْرِيمُ الْحِيَلِ وَأَنَّهَا لَا تُخَلِّصُ مِنْ الْأَيْمَانِ ، وَنَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ الْبَطَّةِ مِنْ جُلُودِ الْحُمُرِ ، وَقَالَ : تَكُونُ ذَكِيَّةً ، وَلَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُهُ فِي التَّحْرِيمِ ، وَسُئِلَ عَنْ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ ، فَقَالَ : لَا يُعْجِبُنِي ، وَهَذَا عَلَى التَّحْرِيمِ ، وَقَالَ : يُكْرَهُ الْقَدُّ مِنْ جُلُودِ الْحَمِيرِ ، ذَكِيًّا وَغَيْرَ ذَكِيٍّ ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَكِيًّا ، وَأَكْرَهُهُ لِمَنْ يَعْمَلُ وَلِلْمُسْتَعْمِلِ ; وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَنْتَفِعُ بِكَذَا ، فَبَاعَهُ وَاشْتَرَى بِهِ غَيْرَهُ ، فَكَرِهَ ذَلِكَ ، وَهَذَا عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ ; وَسُئِلَ عَنْ أَلْبَانِ الْأُتُنِ فَكَرِهَهُ وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَهُ ، وَسُئِلَ عَنْ الْخَمْرِ يُتَّخَذُ خَلًّا فَقَالَ : لَا يُعْجِبُنِي ، وَهَذَا عَلَى التَّحْرِيمِ عِنْدَهُ ; وَسُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ ، فَكَرِهَهُ ، وَهَذَا فِي أَجْوِبَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُسْتَقْصَى ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ .
وَقَدْ نَصَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ فَهُوَ حَرَامٌ ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصَّا قَاطِعًا لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ لَفْظَ الْحَرَامِ ; وَرَوَى
مُحَمَّدٌ أَيْضًا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=14954وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ ; وَقَدْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ : يُكْرَهُ الشُّرْبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، وَمُرَادُهُ التَّحْرِيمُ ; وَكَذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٌ : يُكْرَهُ النَّوْمُ عَلَى فُرُشِ الْحَرِيرِ وَالتَّوَسُّدُ عَلَى وَسَائِدِهِ ، وَمُرَادُهُمَا التَّحْرِيمُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ : يُكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الذُّكُورُ مِنْ الصِّبْيَانِ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ ، وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ حَرَامٌ ، وَقَالُوا : إنَّ التَّحْرِيمَ لِمَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الذُّكُورِ ، وَتَحْرِيمُ اللُّبْسِ يُحَرِّمُ الْإِلْبَاسَ ، كَالْخَمْرِ لَمَّا حَرُمَ شُرْبُهَا حَرُمَ سَقْيُهَا ، وَكَذَلِكَ قَالُوا : يُكْرَهُ مِنْدِيلُ الْحَرِيرِ الَّذِي يُتَمَخَّطُ فِيهِ وَيُتَمَسَّحُ مِنْ الْوُضُوءِ ، وَمُرَادُهُمْ التَّحْرِيمُ ، وَقَالُوا : يُكْرَهُ بَيْعُ الْعَذِرَةِ ، وَمُرَادُهُمْ التَّحْرِيمُ ; وَقَالُوا : يُكْرَهُ الِاحْتِكَارُ فِي أَقْوَاتِ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ إذَا أَضَرَّ بِهِمْ وَضَيَّقَ عَلَيْهِمْ ، وَمُرَادُهُمْ التَّحْرِيمُ ; وَقَالُوا : يُكْرَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ فِي أَيَّامِ
[ ص: 34 ] الْفِتْنَةِ ، وَمُرَادُهُمْ التَّحْرِيمُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ : يُكْرَهُ بَيْعُ أَرْضِ
مَكَّةَ ، وَمُرَادُهُمْ التَّحْرِيمُ عِنْدَهُمْ ; قَالُوا : وَيُكْرَهُ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ ، وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَهُمْ ; قَالُوا : وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ فِي عُنُقِ عَبْدِهِ أَوْ غَيْرِهِ طَوْقَ الْحَدِيدِ الَّذِي يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَرُّكِ ، وَهُوَ الْغُلُّ ، وَهُوَ حَرَامٌ ; وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ جِدًّا .
وَأَمَّا أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ فَالْمَكْرُوهُ عِنْدَهُمْ مَرْتَبَةٌ بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْمُبَاحِ ، وَلَا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ اسْمَ الْجَوَازِ ، وَيَقُولُونَ : إنَّ أَكْلَ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُبَاحٍ ; وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَجْوِبَتِهِ : أَكْرَهُ كَذَا ، وَهُوَ حَرَامٌ ; فَمِنْهَا أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكًا نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ الشِّطْرَنْجِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ عَلَى التَّحْرِيمِ ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ الَّتِي هِيَ دُونَ التَّحْرِيمِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فِي اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ : إنَّهُ لَهْوٌ شَبَهُ الْبَاطِلِ ، أَكْرَهُهُ وَلَا يَتَبَيَّنُ لِي تَحْرِيمُهُ فَقَدْ نَصَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ ، وَتَوَقَّفَ فِي تَحْرِيمِهِ ; فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ وَإِلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ اللَّعِبَ بِهَا جَائِزٌ وَأَنَّهُ مُبَاحٌ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ هَذَا وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ; وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ كَرِهَهَا ، وَتَوَقَّفَ فِي تَحْرِيمِهَا ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ أَنْ يُقَالَ : إنَّ مَذْهَبَهُ جَوَازُ اللَّعِبِ بِهَا وَإِبَاحَتُهُ ؟ وَمِنْ هَذَا أَيْضًا أَنَّهُ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ تَزَوُّجِ الرَّجُلِ بِنْتَهُ مِنْ مَاءِ الزِّنَا ، وَلَمْ يَقُلْ قَطُّ إنَّهُ مُبَاحٌ وَلَا جَائِزٌ ، وَاَلَّذِي يَلِيقُ بِجَلَالَتِهِ وَإِمَامَتِهِ وَمَنْصِبِهِ الَّذِي أَجَّلَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ الدِّينِ أَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ ، وَأَطْلَقَ لَفْظَ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّ الْحَرَامَ يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ; وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَقِيبَ ذِكْرِ مَا حَرَّمَهُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وَقَضَى رَبُّكَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ } إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا } إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=31وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلَاقٍ } إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=32وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا } إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ } إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ } إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } إلَى آخِرِ الْآيَاتِ ; ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=38كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا } وَفِي الصَّحِيحِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11333إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ } .
فَالسَّلَفُ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْكَرَاهَةَ فِي مَعْنَاهَا الَّذِي اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَلَكِنْ الْمُتَأَخِّرُونَ اصْطَلَحُوا عَلَى تَخْصِيصِ الْكَرَاهَةِ بِمَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ ، وَتَرْكُهُ أَرْجَحُ مِنْ فِعْلِهِ ، ثُمَّ حَمَلَ مَنْ حَمَلَ مِنْهُمْ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ عَلَى الِاصْطِلَاحِ الْحَادِثِ ، فَغَلِطَ فِي ذَلِكَ ، وَأَقْبَحُ غَلَطًا مِنْهُ مَنْ حَمَلَ لَفْظَ الْكَرَاهَةِ أَوْ لَفْظَ " لَا يَنْبَغِي " فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ الْحَادِثِ ، وَقَدْ اطَّرَدَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ اسْتِعْمَالُ " لَا يَنْبَغِي " فِي الْمَحْظُورِ شَرْعًا وَقَدَرًا وَفِي الْمُسْتَحِيلِ الْمُمْتَنِعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=92وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشَّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=210وَمَا [ ص: 35 ] تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=41874وَقَوْلِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ : كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ، وَشَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ } وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11388إنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ } وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لِبَاسِ الْحَرِيرِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32058لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ } وَأَمْثَالِ ذَلِكَ