فصل :
[
nindex.php?page=treesubj&link=19695جزاء المخلص ]
وقوله : " فما ظنك بثواب عند الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته " يريد به تعظيم جزاء المخلص وأنه رزق عاجل إما للقلب أو للبدن أو لهما . ورحمته مدخرة في خزائنه ; فإن الله سبحانه يجزي العبد على ما عمل من خير في الدنيا ولا بد ، ثم في الآخرة يوفيه أجره ، كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=185وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } فما يحصل في الدنيا من الجزاء على الأعمال الصالحة ليس جزاء توفية ، وإن كان نوعا آخر كما قال تعالى عن
إبراهيم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=27وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين } وهذا نظير قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين } فأخبر سبحانه أنه آتى خليله أجره في الدنيا من النعم التي أنعم بها عليه في نفسه وقلبه وولده وماله وحياته الطيبة ، ولكن ليس ذلك أجر توفية ، وقد دل القرآن في غير موضع على أن لكل من عمل خيرا أجرين : عمله في الدنيا ويكمل له أجره في الآخرة كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=30للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين } وفي الآية الأخرى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=41والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } ، وقال في هذه السورة : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } وقال فيها عن خليله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وآتيناه في الدنيا حسنة ، [ ص: 126 ] وإنه في الآخرة لمن الصالحين } فقد تكرر هذا المعنى في هذه السورة دون غيرها في أربعة مواضع لسر بديع ، فإنها سورة النعم التي عدد الله سبحانه فيها أصول النعم وفروعها ، فعرف عباده أن لهم عنده في الآخرة من النعم أضعاف هذه بما لا يدرك تفاوته ، وأن هذه من بعض نعمه العاجلة عليهم ، وأنهم إن أطاعوه زادهم إلى هذه النعم نعما أخرى ، ثم في الآخرة يوفيهم أجور أعمالهم تمام التوفية ، وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله } فلهذا قال أمير المؤمنين : " فما ظنك بثواب عند الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته ، والسلام " .
فهذا بعض ما يتعلق بكتاب أمير المؤمنين رضي الله عنه من الحكم والفوائد والحمد لله رب العالمين .
فَصْلٌ :
[
nindex.php?page=treesubj&link=19695جَزَاءُ الْمُخْلِصِ ]
وَقَوْلُهُ : " فَمَا ظَنُّك بِثَوَابٍ عِنْدَ اللَّهِ فِي عَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ " يُرِيدُ بِهِ تَعْظِيمَ جَزَاءِ الْمُخْلِصِ وَأَنَّهُ رِزْقٌ عَاجِلٌ إمَّا لِلْقَلْبِ أَوْ لِلْبَدَنِ أَوْ لَهُمَا . وَرَحْمَتُهُ مُدَّخَرَةٌ فِي خَزَائِنِهِ ; فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَجْزِي الْعَبْدَ عَلَى مَا عَمِلَ مِنْ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا وَلَا بُدَّ ، ثُمَّ فِي الْآخِرَةِ يُوفِيهِ أَجْرَهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=185وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } فَمَا يَحْصُلُ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لَيْسَ جَزَاءُ تَوْفِيَةٍ ، وَإِنْ كَانَ نَوْعًا آخَرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ
إبْرَاهِيمَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=27وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ } وَهَذَا نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ } فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ آتَى خَلِيلَهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ وَقَلْبِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ وَحَيَاتِهِ الطَّيِّبَةِ ، وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ أَجْرُ تَوْفِيَةٍ ، وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ مَنْ عَمِلَ خَيْرًا أَجْرَيْنِ : عَمَلُهُ فِي الدُّنْيَا وَيُكَمَّلُ لَهُ أَجْرُهُ فِي الْآخِرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=30لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ } وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=41وَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } ، وَقَالَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } وَقَالَ فِيهَا عَنْ خَلِيلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ، [ ص: 126 ] وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ } فَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ دُونَ غَيْرِهَا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ لِسِرٍّ بَدِيعٍ ، فَإِنَّهَا سُورَةُ النِّعَمِ الَّتِي عَدَّدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِيهَا أُصُولَ النِّعَمِ وَفُرُوعَهَا ، فَعَرَّفَ عِبَادَهُ أَنَّ لَهُمْ عِنْدَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ النِّعَمِ أَضْعَافَ هَذِهِ بِمَا لَا يُدْرَكُ تَفَاوُتُهُ ، وَأَنَّ هَذِهِ مِنْ بَعْضِ نِعَمِهِ الْعَاجِلَةِ عَلَيْهِمْ ، وَأَنَّهُمْ إنْ أَطَاعُوهُ زَادَهُمْ إلَى هَذِهِ النِّعَمِ نِعَمًا أُخْرَى ، ثُمَّ فِي الْآخِرَةِ يُوَفِّيهِمْ أُجُورَ أَعْمَالِهِمْ تَمَامَ التَّوْفِيَةِ ، وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } فَلِهَذَا قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ : " فَمَا ظَنُّك بِثَوَابٍ عِنْدَ اللَّهِ فِي عَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ ، وَالسَّلَامُ " .
فَهَذَا بَعْضُ مَا يَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الْحِكَمِ وَالْفَوَائِدِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .