[ ] إنكار المنكر وشروطه
المثال الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله ، فإذا كان فإنه لا يسوغ إنكاره ، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله ، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم ; فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر ، { إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ، وقالوا : أفلا نقاتلهم ؟ فقال : لا ، ما أقاموا الصلاة } وقال : { } ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر ; فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه ; فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعن يدا من طاعته بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها ، بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم ، ومنعه من ذلك - مع قدرته عليه - خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر ، ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد ; لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه كما وجد سواء .
[ ] إنكار المنكر أربع درجات
فإنكار المنكر أربع درجات ; الأولى : أن يزول ويخلفه ضده ، الثانية : أن يقل وإن لم يزل بجملته ، الثالثة : أن يخلفه ما هو مثله ، الرابعة : أن يخلفه ما هو شر منه ; فالدرجتان الأوليان مشروعتان ، والثالثة موضع اجتهاد ، والرابعة محرمة ; فإذا كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم منه إلى [ ص: 13 ] ما هو أحب إلى الله ورسوله كرمي النشاب وسباق الخيل ونحو ذلك ، وإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد ، وإلا كان تركهم على ذلك خيرا من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك فكان ما هم فيه شاغلا لهم عن ذلك ، وكما إذا كان الرجل مشتغلا بكتب المجون ونحوها وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر فدعه وكتبه الأولى ، وهذا باب واسع ; وسمعت رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مكاء وتصدية شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه يقول : مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر ، فأنكر عليهم من كان معي ، فأنكرت عليه ، وقلت له : إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم .