فصل [
nindex.php?page=treesubj&link=16533موجبات الأيمان والأقارير والنذور ]
المثال الثامن : مما تتغير به الفتوى لتغير العرف والعادة : موجبات الأيمان والإقرار والنذور وغيرها ; فمن ذلك أن
nindex.php?page=treesubj&link=16530الحالف إذا حلف " لا ركبت دابة " وكان في بلد عرفهم في لفظ الدابة الحمار خاصة اختصت يمينه به ، ولا يحنث بركوب الفرس ولا الجمل ، وإن كان عرفهم في لفظ الدابة الفرس خاصة حملت يمينه عليها دون الحمار ، وكذلك إن كان الحال ممن عادته ركوب نوع خاص من الدواب كالأمراء ومن جرى مجراهم حملت يمينه على ما اعتاده من ركوب الدواب ; فيفتى في كل بلد بحسب عرف أهله .
ويفتى كل أحد بحسب عادته ، وكذلك إذا
nindex.php?page=treesubj&link=16530حلف " لا أكلت رأسا " في بلد عادتهم أكل رءوس الضأن خاصة لم يحنث بأكل رءوس الطير والسمك ونحوها ، وإن كان عادتهم أكل رءوس السمك حنث بأكل رءوسها ، وكذلك إذا
nindex.php?page=treesubj&link=16530حلف لا اشتريت كذا ولا بعته ولا حرثت هذه الأرض ولا زرعتها ونحو ذلك ، وعادته أن لا يباشر ذلك بنفسه كالملوك حنث قطعا بالإذن والتوكيل فيه ، فإنه
[ ص: 46 ] نفس ما حلف عليه .
وإن كان عادته مباشرة ذلك بنفسه كآحاد الناس فإن قصد منع نفسه من المباشرة لم يحنث بالتوكيل ، وإن قصد عدم الفعل والمنع منه جملة حنث بالتوكيل ، وإن أطلق اعتبر سبب اليمين وبساطها وما هيجها ، وعلى هذا إذا أقر الملك أو أغنى أهل البلد لرجل بمال كثير لم يقبل تفسيره بالدرهم والرغيف ونحوه مما يتمول ، فإن أقر به فقير يعد عنده الدرهم والرغيف كثيرا قبل منه ، وعلى هذا إذا قيل له : جاريتك أو عبدك يرتكبان الفاحشة ، فقال : ليس كذلك ، بل هما حران لا أعلم عليهما فاحشة ; فالحق المقطوع به أنهما لا يعتقان بذلك ، لا في الحكم ولا فيما بينه وبين الله تعالى ; فإنه لم يرد ذلك قطعا .
واللفظ مع القرائن المذكورة ليس صريحا في العتق ولا ظاهرا فيه ، بل ولا محتملا له ، فإخراج عبده أو أمته عن ملكه بذلك غير جائز ، ومن ذلك ما أخبرني به بعض أصحابنا أنه
nindex.php?page=treesubj&link=16488قال لامرأته : إن أذنت لك في الخروج إلى الحمام فأنت طالق ، فتهيأت للخروج إلى الحمام ، فقال لها : اخرجي وابصري ، فاستفتى بعض الناس ، فأفتوه بأنها قد طلقت منه ، فقال للمفتي : بأي شيء أوقعت علي الطلاق ؟ قال : بقولك لها اخرجي ، فقال : إني لم أقل لها ذلك إذنا ، وإنما قلته تهديدا ، أي : إنك لا يمكنك الخروج .
وهذا كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير } فهل هذا إذن لهم أن يعملوا ما شاءوا ؟ فقال : لا أدري ، أنت لفظت بالإذن ، فقال له : ما أردت الإذن ، فلم يفقه المفتي هذا ، وغلظ حجابه عن إدراكه ، وفرق بينه وبين امرأته بما لم يأذن به الله ورسوله ولا أحد من أئمة الإسلام .
وليت شعري هل يقول هذا المفتي : إن قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=29فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } إذن له في الكفر ؟ وهؤلاء أبعد الناس عن الفهم عن الله ورسوله وعن المطلقين مقاصدهم .
ومن هذا إذا
nindex.php?page=treesubj&link=7409قال العبد لسيده ، وقد استعمله في عمل يشق عليه : أعتقني من هذا العمل ، فقال : أعتقتك ، ولم ينو إزالة ملكه عنه ، لم يعتق بذلك ، وكذلك إذا
nindex.php?page=treesubj&link=12110قال عن امرأته : هذه أختي ، ونوى أختي في الدين ، لم تحرم بذلك ، ولم يكن مظاهرا . والصريح لم يكن موجبا لحكمه لذاته .
وإنما أوجبه لأنا نستدل على قصد المتكلم به لمعناه ; لجريان اللفظ على لسانه اختيارا ; فإذا ظهر قصده بخلاف معناه لم يجز أن يلزم بما لم يرده ، ولا التزمه ، ولا خطر بباله ، بل إلزامه بذلك جناية على الشرع وعلى المكلف ، والله سبحانه وتعالى رفع المؤاخذة عن المتكلم بكلمة الكفر مكرها لما لم يقصد معناها ولا نواها ، فكذلك المتكلم بالطلاق والعتاق والوقف واليمين والنذر مكرها لا يلزمه شيء من ذلك ; لعدم نيته وقصده ; وقد أتى باللفظ الصريح ; فعلم أن اللفظ إنما يوجب معناه لقصد المتكلم به ، والله تعالى رفع المؤاخذة عمن حدث نفسه بأمر بغير تلفظ أو
[ ص: 47 ] عمل ، كما رفعها عمن تلفظ باللفظ من غير قصد لمعناه ولا إرادة ، ولهذا لا يكفر من جرى على لسانه لفظ الكفر سبقا من غير قصد لفرح أو دهش وغير ذلك ، كما في حديث الفرح الإلهي بتوبة العبد ، وضرب مثل ذلك بمن فقد راحلته عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة ، فأيس منها ثم وجدها فقال : اللهم أنت عبدي وأنا ربك : " أخطأ من شدة الفرح " ولم يؤاخذ بذلك ، وكذلك إذا أخطأ من شدة الغضب لم يؤاخذ بذلك ، ومن هذا قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=11ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم } قال السلف : هو دعاء الإنسان على نفسه وولده وأهله في حال الغضب ، ولو استجابه الله تعالى لأهلكه وأهلك من يدعو عليه ، ولكنه لا يستجيبه لعلمه بأن الداعي لم يقصده .
فَصْلٌ [
nindex.php?page=treesubj&link=16533مُوجِبَاتُ الْأَيْمَانِ وَالْأَقَارِيرِ وَالنُّذُورِ ]
الْمِثَالُ الثَّامِنُ : مِمَّا تَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَتْوَى لِتَغَيُّرِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ : مُوجِبَاتُ الْأَيْمَانِ وَالْإِقْرَارِ وَالنُّذُورِ وَغَيْرِهَا ; فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=16530الْحَالِفَ إذَا حَلَفَ " لَا رَكِبْت دَابَّةً " وَكَانَ فِي بَلَدٍ عُرْفُهُمْ فِي لَفْظِ الدَّابَّةِ الْحِمَارُ خَاصَّةً اخْتَصَّتْ يَمِينُهُ بِهِ ، وَلَا يَحْنَثُ بِرُكُوبِ الْفَرَسِ وَلَا الْجَمَلِ ، وَإِنْ كَانَ عُرْفُهُمْ فِي لَفْظِ الدَّابَّةِ الْفَرَسَ خَاصَّةً حُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَيْهَا دُونَ الْحِمَارِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْحَالُ مِمَّنْ عَادَتُهُ رُكُوبُ نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ الدَّوَابِّ كَالْأُمَرَاءِ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ حُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا اعْتَادَهُ مِنْ رُكُوبِ الدَّوَابِّ ; فَيُفْتَى فِي كُلِّ بَلَدٍ بِحَسَبِ عُرْفِ أَهْلِهِ .
وَيُفْتَى كُلُّ أَحَدٍ بِحَسَبِ عَادَتِهِ ، وَكَذَلِكَ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=16530حَلَفَ " لَا أَكَلْت رَأْسًا " فِي بَلَدٍ عَادَتُهُمْ أَكْلُ رُءُوسِ الضَّأْنِ خَاصَّةً لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ رُءُوسِ الطَّيْرِ وَالسَّمَكِ وَنَحْوِهَا ، وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُمْ أَكْلَ رُءُوسِ السَّمَكِ حَنِثَ بِأَكْلِ رُءُوسِهَا ، وَكَذَلِكَ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=16530حَلَفَ لَا اشْتَرَيْت كَذَا وَلَا بِعْته وَلَا حَرَثْت هَذِهِ الْأَرْضَ وَلَا زَرَعْتهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ ، وَعَادَتُهُ أَنْ لَا يُبَاشِرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ كَالْمُلُوكِ حَنِثَ قَطْعًا بِالْإِذْنِ وَالتَّوْكِيلِ فِيهِ ، فَإِنَّهُ
[ ص: 46 ] نَفْسُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ .
وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُ مُبَاشَرَةَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ كَآحَادِ النَّاسِ فَإِنْ قَصَدَ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ لَمْ يَحْنَثْ بِالتَّوْكِيلِ ، وَإِنْ قَصَدَ عَدَمَ الْفِعْلِ وَالْمَنْعَ مِنْهُ جُمْلَةً حَنِثَ بِالتَّوْكِيلِ ، وَإِنْ أَطْلَقَ اعْتَبَرَ سَبَبَ الْيَمِينِ وَبِسَاطَهَا وَمَا هَيَّجَهَا ، وَعَلَى هَذَا إذَا أَقَرَّ الْمَلِكُ أَوْ أَغْنَى أَهْلُ الْبَلَدِ لِرَجُلٍ بِمَالٍ كَثِيرٍ لَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ بِالدِّرْهَمِ وَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُتَمَوَّلُ ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ فَقِيرٌ يُعَدُّ عِنْدَهُ الدِّرْهَمُ وَالرَّغِيفُ كَثِيرًا قُبِلَ مِنْهُ ، وَعَلَى هَذَا إذَا قِيلَ لَهُ : جَارِيَتُك أَوْ عَبْدُك يَرْتَكِبَانِ الْفَاحِشَةَ ، فَقَالَ : لَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ هُمَا حُرَّانِ لَا أَعْلَمُ عَلَيْهِمَا فَاحِشَةً ; فَالْحَقُّ الْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّهُمَا لَا يُعْتَقَانِ بِذَلِكَ ، لَا فِي الْحُكْمِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ; فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ قَطْعًا .
وَاللَّفْظُ مَعَ الْقَرَائِنِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْعِتْقِ وَلَا ظَاهِرًا فِيهِ ، بَلْ وَلَا مُحْتَمِلًا لَهُ ، فَإِخْرَاجُ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْبَرَنِي بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=16488قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ أَذِنْت لَك فِي الْخُرُوجِ إلَى الْحَمَّامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَتَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ إلَى الْحَمَّامِ ، فَقَالَ لَهَا : اُخْرُجِي وَابْصُرِي ، فَاسْتَفْتَى بَعْضَ النَّاسِ ، فَأَفْتَوْهُ بِأَنَّهَا قَدْ طَلُقَتْ مِنْهُ ، فَقَالَ لِلْمُفْتِي : بِأَيِّ شَيْءٍ أَوْقَعْت عَلَيَّ الطَّلَاقَ ؟ قَالَ : بِقَوْلِك لَهَا اُخْرُجِي ، فَقَالَ : إنِّي لَمْ أَقُلْ لَهَا ذَلِكَ إذْنًا ، وَإِنَّمَا قُلْته تَهْدِيدًا ، أَيْ : إنَّك لَا يُمْكِنُك الْخُرُوجُ .
وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فَهَلْ هَذَا إذْنٌ لَهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا مَا شَاءُوا ؟ فَقَالَ : لَا أَدْرِي ، أَنْتَ لَفَظْت بِالْإِذْنِ ، فَقَالَ لَهُ : مَا أَرَدْت الْإِذْنَ ، فَلَمْ يَفْقَهْ الْمُفْتِي هَذَا ، وَغَلُظَ حِجَابُهُ عَنْ إدْرَاكِهِ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ .
وَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ يَقُولُ هَذَا الْمُفْتِي : إنَّ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=29فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } إذْنٌ لَهُ فِي الْكُفْرِ ؟ وَهَؤُلَاءِ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ الْفَهْمِ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَنْ الْمُطْلِقِينَ مَقَاصِدَهُمْ .
وَمِنْ هَذَا إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=7409قَالَ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ فِي عَمَلٍ يَشُقُّ عَلَيْهِ : أَعْتِقْنِي مِنْ هَذَا الْعَمَلِ ، فَقَالَ : أَعْتَقْتُك ، وَلَمْ يَنْوِ إزَالَةَ مِلْكِهِ عَنْهُ ، لَمْ يُعْتَقْ بِذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=12110قَالَ عَنْ امْرَأَتِهِ : هَذِهِ أُخْتِي ، وَنَوَى أُخْتِي فِي الدِّينِ ، لَمْ تُحَرَّمْ بِذَلِكَ ، وَلَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا . وَالصَّرِيحُ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِحُكْمِهِ لِذَاتِهِ .
وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ لِأَنَّا نَسْتَدِلُّ عَلَى قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ لِمَعْنَاهُ ; لِجَرَيَانِ اللَّفْظِ عَلَى لِسَانِهِ اخْتِيَارًا ; فَإِذَا ظَهَرَ قَصْدُهُ بِخِلَافِ مَعْنَاهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُلْزَمَ بِمَا لَمْ يُرِدْهُ ، وَلَا الْتَزَمَهُ ، وَلَا خَطَرَ بِبَالِهِ ، بَلْ إلْزَامُهُ بِذَلِكَ جِنَايَةٌ عَلَى الشَّرْعِ وَعَلَى الْمُكَلَّفِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَفَعَ الْمُؤَاخَذَةَ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مُكْرَهًا لِمَا لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَاهَا وَلَا نَوَاهَا ، فَكَذَلِكَ الْمُتَكَلِّمُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْوَقْفِ وَالْيَمِينِ وَالنَّذْرِ مُكْرَهًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ; لِعَدَمِ نِيَّتِهِ وَقَصْدِهِ ; وَقَدْ أَتَى بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ ; فَعُلِمَ أَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يُوجِبُ مَعْنَاهُ لِقَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى رَفَعَ الْمُؤَاخَذَةَ عَمَّنْ حَدَّثَ نَفْسَهُ بِأَمْرٍ بِغَيْرِ تَلَفُّظٍ أَوْ
[ ص: 47 ] عَمَلٍ ، كَمَا رَفَعَهَا عَمَّنْ تَلَفَّظَ بِاللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِمَعْنَاهُ وَلَا إرَادَةٍ ، وَلِهَذَا لَا يُكَفَّرُ مَنْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ لَفْظُ الْكُفْرِ سَبْقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِفَرَحٍ أَوْ دَهْشٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، كَمَا فِي حَدِيث الْفَرَحِ الْإِلَهِيِّ بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ ، وَضَرَبَ مَثَلَ ذَلِكَ بِمَنْ فَقَدَ رَاحِلَتَهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فِي الْأَرْضِ الْمُهْلِكَةِ ، فَأَيِسَ مِنْهَا ثُمَّ وَجَدَهَا فَقَالَ : اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّك : " أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ " وَلَمْ يُؤَاخَذْ بِذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ إذَا أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْغَضَبِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِذَلِكَ ، وَمِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=11وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } قَالَ السَّلَفُ : هُوَ دُعَاءُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَأَهْلِهِ فِي حَالِ الْغَضَبِ ، وَلَوْ اسْتَجَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَأَهْلَكَهُ وَأَهْلَكَ مَنْ يَدْعُو عَلَيْهِ ، وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَجِيبُهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الدَّاعِيَ لَمْ يَقْصِدْهُ .