[ ] مما يدل على تحريم الحيل
ومما يدل على تحريم الحيل قوله صلى الله عليه وسلم : { } رواه أهل السنن ، ومما يدل على تحريمها ما رواه صيد البر لكم حلال ، ما لم تصيدوه أو يصد لكم في سننه عن { ابن ماجه يحيى بن أبي إسحاق قال : سألت : الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدي إليه ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أقرض أحدكم قرضا فأهدي إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك أنس بن مالك } رواه من حديث عن إسماعيل بن عياش عتبة بن حميد الضبي عن يحيى .
قال شيخنا رضي الله عنه : وهذا يحيى بن يزيد الهنائي من رجال ، مسلم وعتبة بن حميد معروف بالرواية عن الهنائي .
قال أبو حاتم مع تشدده : هو صالح الحديث ، وقال : ليس بالقوي ، أحمد ثقة في حديثه عن وإسماعيل بن عياش الشاميين
، ورواه سعيد في سننه عن ، لكن قال : عن إسماعيل بن عياش يزيد بن أبي إسحاق الهنائي عن عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك رواه أنس في تاريخه عن البخاري يزيد بن أبي يحيى الهنائي عن يرفعه : { أنس } قال إذا أقرض أحدكم فلا يأخذ هدية شيخنا : وأظنه هو ذاك انقلب اسمه . وفي صحيح عن البخاري قال : قدمت أبي بردة بن أبي موسى المدينة ، فلقيت ، فقال لي : إنك بأرض الربا فيها فاش ، فإذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك [ ص: 136 ] حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا ، وفي سنن عبد الله بن سلام سعيد هذا المعنى عن أبي بن كعب ، وجاء عن أيضا وأتى رجل ابن مسعود فقال : إني أقرضت رجلا بغير معرفة فأهدى إلي هدية جزلة ، فقال : رد إليه هديته أو احسبها له ، وقال عبد الله بن عمر : جاء رجل إلى سالم بن أبي الجعد فقال : إني أقرضت رجلا يبيع السمك عشرين درهما ، فأهدى إلي سمكة قومتها بثلاثة عشر درهما ، فقال : خذ منه سبعة دراهم ، ذكرهما ابن عباس سعيد ، وذكر حرب عن : إذا أسلفت رجلا سلفا فلا تأخذ منه هدية ولا عارية ركوب دابة ; فنهى النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه المقرض عن قبول هدية المقترض قبل الوفاء ; فإن المقصود بالهدية أن يؤجر الاقتضاء - وإن كان لم يشترط ذلك - سدا لذريعة الربا ، فكيف تجوز الحيلة على الربا ؟ ومن لم يسد الذرائع ولم يراع المقاصد ولم يحرم الحيل يبيح ذلك كله ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه أحق أن يتبع ، وقد تقدم تحريم السلف والبيع لأنه يتخذ حيلة إلى الربا . ابن عباس
[ دليل آخر على تحريم الحيل ]
ويدل على تحريم الحيل الحديث الصحيح ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : { } وهذا نص في تحريم الحيلة المفضية إلى إسقاط الزكاة أو تنقيصها بسبب الجمع والتفريق ، فإذا باع بعض النصاب قبل تمام الحول تحيلا على إسقاط الزكاة فقد فرق بين المجتمع ، فلا تسقط الزكاة عنه بالفرار منها ، ومما يدل على تحريمها قوله تعالى : { لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ولا تمنن تستكثر } قال المفسرون من السلف ومن بعدهم : لا تعط عطاء تطلب أكثر منه ، وهو أن تهدي ليهدى إليك أكثر من هديتك .
وهذا كله يدل على أن صور العقود غير كافية في حلها وحصول أحكامها إلا إذا لم يقصد بها قصدا فاسدا ، ، واشتراطه إعلان إظهار للفساد ، وقصده ونيته غش وخداع ومكر ; فقد يكون أشد فسادا من الاشتراط ظاهرا من هذه الجهة ، والاشتراط الظاهر أشد فسادا منه من جهة إعلان المحرم وإظهاره . وكل ما لو شرطه في العقد كان حراما فاسدا فقصده حرام فاسد
[ مما يدل على تحريم الحيل أيضا ]
ومما يدل على التحريم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعوا على تحريم هذه الحيل [ ص: 137 ] وإبطالها ، وإجماعهم حجة قاطعة ، بل هي من أقوى الحجج وآكدها ، ومن جعلهم بينه وبين الله فقد استوثق لدينه .
بيان المقدمة الأولى أن خطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما ، وأقره سائر الصحابة على ذلك ، وأفتى عمر بن الخطاب عثمان وعلي وابن عباس أن المرأة لا تحل بنكاح التحليل ، وقد تقدم عن غير واحد من أعيانهم كأبي وابن عمر وابن مسعود وعبد الله بن سلام وابن عمر أنهم نهوا المقرض عن قبول هدية المقترض ، وجعلوا قبولها ربا . وقد تقدم عن وابن عباس عائشة وابن عباس تحريم مسألة العينة ، والتغليظ فيها ، وأفتى وأنس عمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب وغيرهم من الصحابة أن المبثوثة في مرض الموت ترث ، ووافقهم سائر المهاجرين والأنصار من أهل بدر وبيعة الرضوان ومن عداهم .
وهذه وقائع متعددة لأشخاص متعددة في أزمان متعددة ، والعادة توجب اشتهارها وظهورها بينهم ، لا سيما وهؤلاء أعيان المفتين من الصحابة الذين كانت تضبط أقوالهم ، وتنتهي إليهم فتاويهم ، والناس عنق واحد إليهم متلقون لفتاويهم ، ومع هذا فلم يحفظ عن أحد منهم الإنكار ولا إباحة الحيل مع تباعد الأوقات وزوال أسباب السكوت ، وإذا كان هذا قولهم في التحليل والعينة وهدية المقترض إلى المقرض فماذا يقولون في التحيل لإسقاط حقوق المسلمين ، بل لإسقاط حقوق رب العالمين ، وإخراج الأبضاع والأموال عن ملك أربابها ، وتصحيح العقود الفاسدة والتلاعب بالدين ؟ وقد صانهم الله تعالى أن يروا في وقتهم من يفعل ذلك أو يفتي به ، كما صانهم عن رؤية الجهمية والمعتزلة والحلولية والاتحادية وأضرابهم ، وإذا ثبت هذا عنهم فيما ذكرنا من الحيل فهو دليل على قولهم فيما هو أعظم منها .
وأما المقدمة الثانية فكل من له معرفة بالآثار وأصول الفقه ومسائله ثم أنصف لم يشك أن تقرير هذا الإجماع منهم على تحريم الحيل وإبطالها ومنافاتها للدين أقوى من تقرير إجماعهم على العمل بالقياس وغير ذلك مما يدعى فيه إجماعهم ، كدعوى إجماعهم على عدم وجوب غسل الجمعة ، وعلى المنع من بيع أمهات الأولاد ، وعلى الإلزام بالطلاق الثلاث بكلمة واحدة ، وأمثال ذلك .
فإذا وازنت بين هذا الإجماع وتلك الإجماعات ظهر لك التفاوت ، وانضم إلى هذا أن التابعين موافقون لهم على ذلك ; فإن الفقهاء السبعة وغيرهم من فقهاء المدينة الذين [ ص: 138 ] أخذوا عن وغيره متفقون على إبطال الحيل ، وكذلك أصحاب زيد بن ثابت من أهل عبد الله بن مسعود الكوفة ، وكذلك أصحاب فقهاء البصرة كأيوب وأبي الشعثاء والحسن ، وكذلك أصحاب وابن سيرين . وهذا في غاية القوة من الاستدلال ، فإنه انضم إلى كثرة فتاويهم بالتحريم في أفراد هذا الأصل وانتشارها أن عصرهم انصرم ، وبقع الإسلام متسعة ، وقد دخل الناس في دين الله أفواجا ، وقد اتسعت الدنيا على المسلمين أعظم اتساع ، وكثر من كان يتعدى الحدود ، وكان المقتضي لوجود هذه الحيل موجودا فلم يحفظ عن رجل واحد منهم أنه أفتى بحيلة واحدة منها أو أمر بها أو دل عليها ، بل المحفوظ عنهم النهي والزجر عنها ; فلو كانت هذه الحيل مما يسوغ فيها الاجتهاد لأفتى بجوازها رجل منهم ، ولكانت مسألة نزاع كغيرها ، بل أقوالهم وأعمالهم وأحوالهم متفقة على تحريمها والمنع منها ، ومضى على أثرهم أئمة الحديث والسنة في الإنكار . ابن عباس
قال الإمام في رواية أحمد موسى بن سعيد الديداني : لا يجوز شيء في الحيل ، وقال في رواية وقد سأله عمن حلف على يمين ثم احتال لإبطالها ، فقال : نحن لا نرى الحيلة ، وقال في رواية الميموني : إذا حلف على شيء ثم احتال بحيلة فصار إليها فقد صار إلى ذلك الذي حلف عليه بعينه ، وقال : من احتال بحيلة فهو حانث ، وقال في رواية بكر بن محمد صالح وأبي الحارث وقد ذكر قول أصحاب الحيل فأنكره ، وقال في رواية إسماعيل بن سعيد وقد سأل عمن احتال في إبطال الشفعة ، فقال : لا يجوز شيء من الحيل في إبطال حق امرئ مسلم ، وقال في رواية أبي طالب وغيره في الرجل يحلف وينوي غير ذلك : فاليمين على نية ما يحلفه عليه صاحبه إذا لم يكن مظلوما ، فإذا كان مظلوما حلف على نيته ، ولم يكن عليه من نية الذي حلفه شيء ، وقال في رواية عبد الخالق بن منصور : من كان عنده كتاب الحيل في بيته يفتي به فهو كافر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم