[ المناولة ] . قال الرابعة : مناولة الصحيفة والإقرار بما فيها دون قراءتها : احتج بعض أهل البخاري الحجاز في المناولة بحديث { النبي صلى الله عليه وسلم حيث كتب لأمير السرية كتابا ، وقال : لا تقرؤه حتى تبلغ مكان كذا وكذا ، فلما بلغ ذلك المكان قرأه على الناس ، وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم } ، وأشار [ ص: 325 ] إلى أنه حجة في ذلك ، ولها صور : إحداها : أن البيهقي . ومن صورها أن يقرنها بالإجازة ، بأن يدفع إليه أصله أو فرعا مقابلا به ، ويقول : هذا سماعي فاروه عني . وهذا يسمى عرض المناولة ، كما أن القراءة على الشيخ تسمى عرض القراءة ، وله الرواية بذلك بالإجماع ، كما قاله يجيء الطالب إلى الشيخ بجزء من حديثه فيعرضه عليه ، فيتأمله الشيخ العارف المتيقظ ، ثم يعيده إليه ، ويقول : وقفت على ما فيه ، وهو حديثي عن فلان أو ثبت علي ما ناولتنيه وهو مسموعي عن فلان فاروه عني في " الإلماع " . القاضي عياض
وقال المازري : لا شك في وجوب العمل به ، ولا معنى للخلاف فيه . وقد ذكر أن ابن وهب يحيى بن سعيد سأل عن شيء من أحاديثه ، فكتب له مالكا بيده أحاديث وأعطاها له ، فقيل مالك : أقرأها لابن وهب يحيى بن سعيد على ؟ فقال مالك : هو أفقه من ذلك . يشير إلى أن ما كتبه ابن وهب بيده وناوله إياها يغني عن قراءته إياها على مالك . مالك قلت : لكن الصيرفي حكى الخلاف فقال في كتابه : ، جاز له أن يحمله على ما قال ، ولا يقول : حدثنا ، ولا أخبرنا في كل حديث ، ومن الناس من جعل هذا الرجل كرجل اعترف بما في صك ، ولم يقرأ عليه ، ليشهد عليه بما فيه ، فأجاز أن يقول : حدثنا وأخبرنا . [ ص: 326 ] ومنهم من قال : لا تجوز الشهادة ، حتى يقرأ عليه أو يقرأه ، وهكذا قال إذا دفع الرجل إلى الرجل كتابا ، فقال : قد عرفت جميع ما فيه ، وحدثني بجميعه فلان ، فاحمل عني جميع ما فيه ( رحمه الله ) في كتاب القاضي إلى القاضي : لا يقبله حتى يشهد أن القاضي قرأه عليهما ، ولا يشهدا عليه إذا كان مختوما حتى يقرأ عليهما ، والحديث أخف من الشهادة عنده ، إذا اعترف بأنه حديثه ، وهذا مذهب الشافعي في أشياعه وأهل مالك العراق في الصكاك . انتهى . وكلام يقتضي أن مذهب البيهقي المنع ، فإنه حكى عن الشافعي السلف الخلاف في ذلك بالنسبة للرواية والشهادة ، ثم قال : وأما فإنه نص في كتاب القاضي إلى القاضي أنه لا يقبله إلا بشاهدين ، وحتى يفتحه ويقرأه عليهما ; لأن الخاتم قد يصنع على الخاتم ، وحكى في تبديل الكتاب حكاية ، قال الشافعي : وفي ذلك جواب عن احتجاج من احتج بقصة البيهقي عبد الله بن جحش وغيره ، فإن التبديل فيها كان غير متوهم ، وهو بعده عند تغير الناس متوهم . انتهى .
وهذه العلة موجودة في الرواية أيضا فلتمتنع . نعم ، اختلفوا في شيئين . أحدهما : هل هي حالة محل السماع ؟ . والصحيح أنها منحطة عنه ، وحكاه عن الحاكم وصاحبيه : الشافعي ، المزني والبويطي ، وعن ، أحمد وإسحاق ، وعن أنها موازية للسماع ، وحكى مالك عن الخطيب ابن خزيمة أنه قال : الإجازة والمناولة عندي كالسماع الصحيح . وأثر الخلاف يظهر في الاقتصار على حدثني وأخبرني . الثاني : أنها ؟ فالمحدثون على إفادتها ، وخالف في ذلك الأصوليون ، ورأوا أنها لا تفيد تأكيدا ، صرح [ ص: 327 ] به هل تفيد تأكيدا على الإجازة المجردة إمام الحرمين ، وابن القشيري ، والغزالي . قالوا : المناولة ليست شرطا ، ولا فيها مزيد تأكيد ، وإنما هي زيادة تكلف أحدثه بعض المحدثين ، وله أن يقول : ناولني فلان كذا وأخبرني ، وحدثني مناولة بالاتفاق كما قاله الهندي . فلو اقتصر على قوله : حدثني ، أو أخبرني ، فاختلفوا فيه . والأظهر أنه لا يجوز ; لأنه يشعر بنطق الشيخ بذلك ، وهو كذب ، ومنهم من جوزه ، كما فيما إذا قرئ عليه ، هو ساكت ، بل أولى .
الثانية : أن ، فلا تجوز له الرواية بالاتفاق الثالثة : أن يتجرد عن الإجازة بأن يقول : خذ هذا الكتاب ، أو ناوله بالفعل ، ولا يقول : اروه عني . فقال يناوله الكتاب ، ويقتصر على قوله : هذا سماعي من فلان ، ولا يقول : اروه عني ابن الصلاح والنووي : لا تجوز الرواية بها على الصحيح عند الأصوليين والفقهاء ، وحكى عن قوم أنهم صححوها . الخطيب قلت : وجوز ابن الصباغ الرواية بها . قال الهندي : وكلام الإمام فخر الدين صريح فيه ، وكلام غيره يدل على أنه لا يسلطه عليها ، وهو الأظهر لأنه يجوز أن يكون قد سمع ، ثم تشكك فيه ، ومعه لا تجوز له الرواية ، فلا يروى عنه ، هذا كله إذا صرح بسماعه الكتاب ، فلو ، فليس له أن يروي عنه ، كما جزم به قال : حدث عني ، أو ارو عني ما في الكتاب ، ولم يقل : إنني قد سمعته أبو الحسين بن القطان وغيره ; لأن شرط الرواية السماع ، أو ما يجري مجراه ، وهو غير حاصل فيه .
قال الهندي : وإنما يجوز للشيخ التصريح بالسماع إذا علم أن النسخة [ ص: 328 ] المشار إليها هي النسخة التي سمعها بعينها ، أو علم موافقتها لها بالمقابلة المتقنة . فأما إذا لم يعلم ذلك ، لم يجز له . فعلى هذا إذا سمع الشيخ نسخة من كتاب مثلا ، فليس له أن يقول ذلك بالنسبة إلى نسخة أخرى منه إلا بشرطه السابق ; لأن النسخ تتفاوت . فعلى هذا لا ينبغي له أن يروي إلا ما يقطع بسماعه ، وحفظه وضبطه ، إلى وقت الأداء بحيث يقطع أن ما أداه هو معنى ما سمعه من غير تفاوت ، فإن شك في شيء من ذلك لم يجز له الرواية ، وإن غلب على ظنه ففيه خلاف . فائدتان . إحداهما : قال البخاري ابن دقيق العيد : المناولة حقيقة فيما يعطى باليد ، وهي صيغة استعملها المحدثون في بعض أنواع الرواية ، وجعلوا المناولة الإشارة والإخبار . فإذا وجد فقد حصل المقصود المسوغ للرواية ، وإن حصلت المناولة وحدها فلا عبرة بها . نعم لو كان مناولة من غير الإعطاء ، ففي جوازه نظر . الثانية : نازع العبدري في إفراد المناولة ، وقال : لا معنى لها حتى يقول : أجزت لك أن تروي عني ، وحينئذ فهي قسم من أقسام الإجازة ، وهي جارية على طريق الأصوليين من إنكار مزيد التأكيد فيها .