مسألة : إذا ؟ اختلف في هذه المسألة اختلفوا في مسألتين على قولين : فقالت طائفة في كل من المسألتين [ ص: 524 ] قولا ، وقالت الأخرى في كل منهما أيضا قولا ، ثم قام دليل عن نص على صحة قول أحديهما في إحدى المسألتين ، فهل يدل على صحة قولها في المسألة الأخرى أم لا وابنه ، فصار داود إلى أنه دليل على ذلك ، ومنعه ابنه . هكذا قال داود في الإحكام . ثم قال : ويقول ابنه : لأنه لو صح ما قاله ابن حزم لكانت الطائفة التي قام النص على صحة قولها في مسألة واحدة مصيبة في جميع مذاهبها ولا يقول به أحد . نعم إن صح إجماع الأمة يقينا على أن حكم المسألتين سواء ، ثم قام نص على صحة حكم ما في إحدى المسألتين ، فقد صح بلا شك أن حكم الأخرى كذلك ، والفرق أن المسألتين الأوليين لم يحفظ عنهم فيهما تسوية بين المسألتين ، بخلاف الثاني . ثم مثل المسألة بالمساقاة . فمنهم من منعها جملة ، ومنهم من أباحها جملة ، ومن مبيح لها في النخل والعنب خاصة ، ومانع لها في سواهما ، فلما صح القول بإباحتها ، وبطل إبطالها ، نظرنا في المساقاة بالثلث والربع ، فوجدنا الأمة مجمعة على أن حكم المساقاة على النصف كحكمها على جزء مسمى ، أي جزء كان ، وكذلك المزارعة ، الناس فيها على قولين : الإباحة والحظر ، فلما قام الدليل على صحتها ، نظرنا في المزارعة على النصف سواء ، وكل من تكلم في هذين الحكمين فقد أجمل ، فلما جاء النص بإباحة المساقاة والمزارعة على النصف ، وصح الإجماع على أن حكم المساقاة والمزارعة على جزء مسمى كحكمها على النصف ، صحت المزارعة على كل جزء مسمى . [ ص: 525 ] داود
فائدة [ ] إذا قلنا : هذا لا يصح بالإجماع احتمل أمرين . أحدهما : الإجماع على نفي الصحة . والثاني : نفي الإجماع على الصحة ، والثاني أعم من الأول ، فلا يلزم من نفي الإجماع على الصحة ، نفي الصحة ، لجواز أن يكون الحكم مختلفا فيه ، فهو صحيح على رأي . فالإجماع على الصحة منتف ، لكن هي غير منتفية مطلقا ، بل ثابتة على ذلك الرأي ، بخلاف الإجماع على نفي الصحة ، فإنه يقتضي نفيها مطلقا ، فإذا قلنا : الوضوء بدون مسح الرأس لا يصح بالإجماع ، كان هذا إجماعا على نفي الصحة ، وإذا قلنا : الوضوء بدون استيعاب الرأس بالمسح لا يصح بالإجماع ، كان هذا نفيا للإجماع على الصحة ، لا لحقيقة الصحة مطلقا ; لأن ذلك يصح عند معنى قولهم : هذا لا يصح بالإجماع أبي حنيفة . والمثير لهذه المباحثة أن بعض الفضلاء رأى شافعيا قد توضأ ، ومسح بعض رأسه ، فمازحه ، وقال له : وضوءك هذا لا يصح بالإجماع ، فغضب من ذلك ، وقال تزعم أن والشافعي ليس بمعتبر القول . قال : لا وقال : كلامك يقتضي ذلك ، فبين له هذه النكتة فزال غضبه . وحاصله : أن المنفي هاهنا هو الصحة المطلقة ، أو المقيدة بكونها مجمعا عليها . فإن أريد الأول فهو إجماع على النفي ، وإن أريد الثاني فهو نفي الإجماع . الشافعي
وحاصله من جهة العربية أن موضع الإجماع نصب ، لكن هو على التمييز أو الحال ؟ إن قلنا : على التمييز فهو إجماع على نفي الصحة ، إذ تقديره لا [ ص: 526 ] يصح إجماعا إذ التمييز رفع الإبهام عن الذات ، ونفي الصحة هنا يحتمل أنه إجماعي أو خلافي ، فبقولنا : إجماع ، رفعنا ذلك الإبهام ، وقلنا : إن نفي الصحة إجماعية ، وإن قلنا على الحال ، فهو نفي الإجماع على الصحة ، لا لنفي الصحة ; لأن الحال نعت للفاعل ، فتقديره هذا لا يصح مجمعا عليه ، ونفي الصفة لا يستلزم نفي الموصوف .