[ المسألة ] الثانية [ الصوم واجب على أصحاب الأعذار ] قال كثير من الفقهاء : الصوم واجب على المريض والحائض والمسافر [ ص: 317 ] مع أنه يجوز تركه لهم ; لعموم قوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وجوابه أنه مخصوص بقوله : { فمن كان منكم مريضا } . ونقله ابن السمعاني في " القواطع " ، فقال : ذكر أصحابنا في ، أو من لا يجوز له الصوم في الحال ، كالحائض والنفساء ، أن الصوم واجب عليهم ، ويأتون به عند زوال العذر وهو قضاء ، وقال أصحاب أصحاب الأعذار الذين لا يتحتم عليهم الصوم في الحال ، كالمريض والمسافر : لا يجب على الحائض والنفساء والمريض بخلاف المسافر . قال : والقول بإيجابه على الحائض مشكل جدا ، ثم وجهه ، وقال في " المستصفى " : في المسافر مذهبان ضعيفان . أحدهما : مذهب أبي حنيفة الظاهرية : أنه لا يصح صومه في سفر ، والثاني : مذهب : أن الواجب أيام أخر ، ولكن لو صام رمضان صح وكان معجلا للواجب ، كتقديم الزكاة على الحول ، وهو فاسد لظاهر الآية ; لأن الآية لا تفهم إلا الرخصة في التأخير ، ونقل الكرخي الشيخ أبو إسحاق عن بعض الأشعرية أنه يجب على المسافر صوم أحد الشهرين إما شهر الأمر أو شهر القضاء وأي ما صام كان أصلا ، كالأنواع في كفارة اليمين ، واختاره الإمام الرازي ، ونقله سليم عن الأشعرية . قال : وقالوا في المريض والحائض كقول أهل العراق يعني أنه لا يجب مع العذر .
وقال : اختلفوا في المريض والمسافر [ ص: 318 ] والحائض الذين لا يلزمهم فعل الصوم في الحال لأجل عذرهم . هل يجب عليهم الصوم في الحال أو بعد زوال العذر ؟ فمذهبنا : أنه واجب عليهم في الحال إلا أنهم يجوز لهم تأخيره إلى أن يزول العذر ، وقال أهل الشيخ أبو حامد الإسفراييني العراق : الصوم واجب على المسافر في الحال دون المريض . قالوا : وأما الحائض فلا يجوز أن يقال : الصوم واجب عليها ، والقول بذلك بدعة ، وقال ابن جماعة المقدسي في " الفروق " : وإياك أن تقول : إن المسافر يخير بين الصوم والفطر فهو خطأ ; لأن التخيير الواجب غير كونه واجبا . فلا يتصور التخيير بين واجب ومباح ، بل العبارة الصحيحة أن يتخير بين فعل الصوم وبين فعل العزم على قضائه ، فيكون العزم بدلا عن الصوم من الوقت ، وحاصله : الوجوب في حق المسافر والمريض ، وأما الحائض ففي وجوبه عليها وجهان . صحح وغيره الوجوب ، ونقله الشيخ أبو إسحاق ابن برهان عن كافة الفقهاء منا ومن الحنفية ، ونقل عن المتكلمين منا ومن المعتزلة أنها لا تخاطب به ، وهو الذي نصره ابن القشيري . وقال النووي في " الروضة " : إنه الأصح ، إذ القضاء لا يجب إلا بأمر جديد . قلت : وهو الذي نص عليه في " الرسالة " ، فقال : وقد ذكر أن التكليف إنما يتعلق بالبالغين . الشافعي
[ ص: 319 ] قال : وهكذا التنزيل في الشافعي دون من لم يبلغ ، ومن بلغ ممن غلب على عقله من ذوي الحيض في أيام حيضهن . هذا لفظه ، وقال الصوم والصلاة على البالغين العالمين الآمدي : والحق في ذلك : إن أريد بكونها مكلفة بتقدير زوال المانع فحق ، وإن أريد أنها تؤمر بالإتيان بالصوم حالة الحيض فباطل ، وهو يشير إلى أن الخلاف لفظي ، وبذلك صرح أيضا ، وقيل : بل يظهر في النية إذا قلنا : يجب التعرض للأداء والقضاء . وحكى الشيخ أبو إسحاق إلكيا الطبري وجوبه عليها بمعنى ترتبه في ذمتها لا وجوب أدائه ، ولهذا يسمى ما تؤديه بعد الحيض قضاء ، ورأيت من يحكي ذلك عن نص ، وحينئذ فيصير النزاع لفظيا ; لأن القائل بالوجوب لا يعني غير ذلك ، فبقي الخلاف في أنه هل يوصف بالوجوب قبل الطهر أم لا ؟ ونظير هذا ، أن الدين المؤجل هل يوصف قبل الحلول بالوجوب ؟ فيه وجهان : حكاهما الشافعي الرافعي عن القفال في باب الدعاوى .
وفرع عليهما ما لو ادعى عليه دينا مؤجلا قبل المحل فله أن يقول في الجواب : لا يلزمني دفع شيء إليك الآن ويحلف عليه ، وهل يقول لا شيء علي مطلقا ؟ قال القفال : فيه وجهان مبنيان على هذا . قلت : والمسألة إنما تتصور على القول المرجوح في صحة سماع الدعوى بالدين المؤجل ، والمذهب المنصوص كما حكاه الغزالي في كتاب " التدبير " : أنها لا تسمع ، إذ لا يتعلق بها إلزام ومطالبة فلا فائدة فيها .