الكتاب الأول
في شرح القواعد الخمس التي ذكر الأصحاب أن جميع مسائل الفقه ترجع إليها حكى القاضي
أبو سعيد الهروي : أن بعض أئمة الحنفية
بهراة بلغه أن الإمام
أبا طاهر الدباس إمام الحنفية بما
وراء النهر ، رد جميع مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة إلى سبع عشرة قاعدة ، فسافر إليه . وكان
أبو طاهر ، ضريرا وكان يكرر كل ليلة تلك القواعد بمسجده بعد أن يخرج الناس منه فالتف
الهروي بحصير ، وخرج الناس ، وأغلق
أبو طاهر المسجد وسرد من تلك القواعد سبعا ، فحصلت
للهروي سعلة فأحس به
أبو طاهر فضربه وأخرجه من المسجد ، ثم لم يكررها فيه بعد ذلك ، فرجع
الهروي إلى أصحابه ، وتلا عليهم تلك السبع . قال القاضي
أبو سعيد : فلما بلغ
nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسينا ذلك رد جميع مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلى أربع قواعد :
الأولى : اليقين لا يزال بالشك . وأصل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11093إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في صلاته ، فيقول له : أحدثت فلا ينصرف ، حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا } .
والثانية : المشقة تجلب التيسير قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78وما جعل عليكم في الدين من حرج } وقال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16275بعثت بالحنيفية السمحة } .
الثالثة : الضرر يزال . وأصلها قوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30906لا ضرر ولا ضرار } .
الرابعة : العادة محكمة ، لقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34364ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن } انتهى .
[ ص: 8 ] قال بعض المتأخرين : في كون هذه الأربع دعائم الفقه كله نظر ، فإن غالبه لا يرجع إليها إلا بواسطة وتكلف ، وضم بعض الفضلاء إلى هذه قاعدة خامسة وهي : الأمور بمقاصدها ، لقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12419إنما الأعمال بالنيات } وقال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16430بني الإسلام على خمس } والفقه على خمس .
قال
العلائي : وهو حسن جدا ، فقد قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يدخل في هذا الحديث ثلث العلم وقال
الشيخ تاج الدين السبكي : التحقيق عندي أنه إن أريد رجوع الفقه إلى خمس بتعسف وتكلف وقول جملي ، فالخامسة داخلة في الأولى ، بل رجع الشيخ
عز الدين بن عبد السلام الفقه كله إلى اعتبار المصالح ودرء المفاسد ، بل قد يرجع الكل إلى اعتبار المصالح ، فإن درء المفاسد من جملتها . ويقال على هذا : واحدة من هؤلاء الخمس كافية ، والأشبه أنها الثالثة ، وإن أريد الرجوع بوضوح ، فإنها تربو على الخمسين ، بل على المئين ا هـ .
وها أنا أشرح هذه القواعد ، وأبين ما فيها من النظائر .
الْكِتَاب الْأَوَّل
فِي شَرْح الْقَوَاعِد الْخَمْس الَّتِي ذَكَرَ الْأَصْحَاب أَنَّ جَمِيع مَسَائِل الْفِقْه تَرْجِع إلَيْهَا حَكَى الْقَاضِي
أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ : أَنَّ بَعْض أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة
بِهَرَاةَ بَلَغَهُ أَنَّ الْإِمَام
أَبَا طَاهِرٍ الدَّبَّاسَ إمَام الْحَنَفِيَّة بِمَا
وَرَاءَ النَّهْرِ ، رَدَّ جَمِيع مَذْهَب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَة إلَى سَبْع عَشْرَة قَاعِدَة ، فَسَافَرَ إلَيْهِ . وَكَانَ
أَبُو طَاهِرٍ ، ضَرِيرًا وَكَانَ يُكَرِّرُ كُلَّ لَيْلَةٍ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ بِمَسْجِدِهِ بَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ النَّاسُ مِنْهُ فَالْتَفَّ
الْهَرَوِيُّ بِحَصِيرٍ ، وَخَرَجَ النَّاسُ ، وَأَغْلَقَ
أَبُو طَاهِرٍ الْمَسْجِدَ وَسَرَدَ مِنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ سَبْعًا ، فَحَصَلَتْ
لِلْهَرَوِيِّ سَعْلَةٌ فَأَحَسَّ بِهِ
أَبُو طَاهِرٍ فَضَرَبَهُ وَأَخْرَجَهُ مَنْ الْمَسْجِد ، ثُمَّ لَمْ يُكَرِّرْهَا فِيهِ بَعْد ذَلِكَ ، فَرَجَعَ
الْهَرَوِيُّ إلَى أَصْحَابه ، وَتَلَا عَلَيْهِمْ تِلْكَ السَّبْع . قَالَ الْقَاضِي
أَبُو سَعِيدٍ : فَلَمَّا بَلَغَ
nindex.php?page=showalam&ids=14958الْقَاضِي حُسَيْنًا ذَلِكَ رَدَّ جَمِيع مَذْهَب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ إلَى أَرْبَع قَوَاعِد :
الْأُولَى : الْيَقِين لَا يُزَال بِالشَّكِّ . وَأَصْل ذَلِكَ قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11093إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَأْتِي أَحَدَكُمْ وَهُوَ فِي صَلَاته ، فَيَقُولُ لَهُ : أَحْدَثْتَ فَلَا يَنْصَرِفْ ، حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا } .
وَالثَّانِيَة : الْمَشَقَّة تَجْلِب التَّيْسِير قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16275بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ } .
الثَّالِثَة : الضَّرَر يُزَال . وَأَصْلُهَا قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30906لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } .
الرَّابِعَة : الْعَادَة مُحَكَّمَةٌ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34364مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ } انْتَهَى .
[ ص: 8 ] قَالَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ : فِي كَوْن هَذِهِ الْأَرْبَع دَعَائِم الْفِقْه كُلّه نَظَر ، فَإِنَّ غَالِبه لَا يَرْجِع إلَيْهَا إلَّا بِوَاسِطَةِ وَتَكَلُّف ، وَضَمّ بَعْض الْفُضَلَاء إلَى هَذِهِ قَاعِدَة خَامِسَة وَهِيَ : الْأُمُور بِمَقَاصِدِهَا ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12419إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } وَقَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16430بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ } وَالْفِقْه عَلَى خَمْس .
قَالَ
الْعَلَائِيُّ : وَهُوَ حَسَن جِدًّا ، فَقَدْ قَالَ الْإِمَام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ يَدْخُل فِي هَذَا الْحَدِيث ثُلُث الْعِلْم وَقَالَ
الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ : التَّحْقِيقُ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ رُجُوعُ الْفِقْهِ إلَى خَمْسٍ بِتَعَسُّفٍ وَتَكَلُّف وَقَوْلٍ جملي ، فَالْخَامِسَة دَاخِلَة فِي الْأُولَى ، بَلْ رَجَّعَ الشَّيْخ
عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْفِقْه كُلّه إلَى اعْتِبَار الْمَصَالِح وَدَرْء الْمَفَاسِد ، بَلْ قَدْ يَرْجِع الْكُلّ إلَى اعْتِبَار الْمَصَالِح ، فَإِنَّ دَرْء الْمَفَاسِد مِنْ جُمْلَتهَا . وَيُقَال عَلَى هَذَا : وَاحِدَة مِنْ هَؤُلَاءِ الْخَمْس كَافِيَة ، وَالْأَشْبَه أَنَّهَا الثَّالِثَة ، وَإِنْ أُرِيد الرُّجُوع بِوُضُوحِ ، فَإِنَّهَا تَرْبُو عَلَى الْخَمْسِينَ ، بَلْ عَلَى الْمِئِينَ ا هـ .
وَهَا أَنَا أَشْرَح هَذِهِ الْقَوَاعِد ، وَأُبَيِّن مَا فِيهَا مِنْ النَّظَائِر .