وأما قوله صلى الله عليه وسلم " "، فمطابق لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر؛ لأنه إذا ولا تبع ما ليس عندك فليس هو على ثقة من حصوله، بل قد يحصل له، وقد لا يحصل، فيكون غررا، كبيع الآبق والشارد، والطير في الهواء، وما تحمل ناقته ونحوه. باع ما ليس عنده
" يا رسول الله، الرجل يأتيني يسألني البيع ليس عندي فأبيعه منه، ثم أمضي إلى السوق، فأشتريه وأسلمه إياه. حكيم بن حزام
فقال: " لا تبع ما ليس عندك ". قال
وقد ظن طائفة أن السلم مخصوص من عموم هذا الحديث، فإنه بيع ما ليس عنده. وليس كما ظنوه، فإن الحديث إنما تناول بيع الأعيان، وأما السلم [ ص: 528 ] فعقد على ما في الذمة، بل شرطه أن يكون في الذمة، فلو أسلم في معين عنده كان فاسدا، وما في الذمة مضمون مستقر فيها.
وبيع ما ليس عنده إنما نهي عنه لكونه غير مضمون عليه، ولا ثابت في ذمته، ولا في يده.
فالمبيع لا بد أن يكون ثابتا في ذمة المشتري، أو في يده، وبيع ما ليس عنده ليس بواحد منهما، فالحديث باق على عمومه.
فإن قيل: فأنتم تجوزون للمغصوب منه أن يبيع المغصوب لمن يقدر على انتزاعه من غاصبه، وهو بيع ما ليس عنده ؟
قيل: لما كان البائع قادرا على تسليمه بالبيع، والمشتري قادرا على تسليمه من الغاصب، فكأنه قد باعه ما هو عنده، وصار كما لو باعه مالا، وهو عند المشتري وتحت يده، وليس عند البائع.
والعندية هنا ليست عندية الحس والمشاهدة، فإنه يجوز أن يبيعه ما ليس تحت يده ومشاهدته، وإنما هي عندية الحكم والتمكين، وهذا واضح ولله الحمد.