[ ص: 11 ] مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد القهار ، العزيز الغفار ، مكور الليل على النهار ، تذكرة لأولي القلوب والأبصار ، وتبصرة لذوي الألباب والاعتبار ، الذي أيقظ من خلقه من اصطفاه فزهدهم في هذه الدار ، وشغلهم بمراقبته وإدامة الأفكار ، وملازمة الاتعاظ والادكار ، ووفقهم للدأب في طاعته ، والتأهب لدار القرار ، والحذر مما يسخطه ويوجب دار البوار ، والمحافظة على ذلك مع تغاير الأحوال والأطوار ، أحمده أبلغ حمد وأزكاه ، وأشمله وأنماه ، وأشهد أن لا إله إلا الله البر الكريم ، الرؤوف الرحيم ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، الهادي إلى صراط مستقيم ، والداعي إلى دين قويم ، صلوات الله وسلامه عليه ، وعلى سائر النبيين ، وآل كل ، وسائر الصالحين .
أما بعد ، فقد قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=57ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون وهذا تصريح بأنهم خلقوا للعبادة ، فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له
nindex.php?page=treesubj&link=29497_19793والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة ، فإنها دار نفاد لا محل إخلاد ، ومركب عبور لا منزل حبور ، ومشرع انفصام لا موطن دوام ، فلهذا كان الأيقاظ من أهلها هم العباد ، وأعقل الناس فيها هم الزهاد . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون . والآيات
[ ص: 12 ] في هذا المعنى كثيرة . ولقد أحسن القائل :
إن لله عبادا فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا نظروا فيها فلما علموا
أنها ليست لحي وطنا جعلوها لجة واتخذوا
صالح الأعمال فيها سفنا
فإذا كان حالها ما وصفته ، وحالنا وما خلقنا له ما قدمته ؛ فحق على المكلف أن يذهب بنفسه مذهب الأخيار ، ويسلك مسلك أولي النهى والأبصار ، ويتأهب لما أشرت إليه ، ويهتم لما نبهت عليه . وأصوب طريق له في ذلك ، وأرشد ما يسلكه من المسالك ،
nindex.php?page=treesubj&link=28750_21404التأدب بما صح عن نبينا سيد الأولين والآخرين ، وأكرم السابقين واللاحقين ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين . وقد قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وتعاونوا على البر والتقوى وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661875والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، وأنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=676387nindex.php?page=treesubj&link=32023من دل على خير فله مثل أجر فاعله وأنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661839من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا وأنه قال
nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي - رضي الله عنه - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=653425فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم فرأيت أن أجمع مختصرا من الأحاديث الصحيحة ، مشتملا على ما يكون طريقا لصاحبه إلى الآخرة ، ومحصلا لآدابه الباطنة والظاهرة . جامعا للترغيب والترهيب وسائر أنواع آداب السالكين : من أحاديث
nindex.php?page=treesubj&link=24625الزهد ورياضات النفوس ، وتهذيب الأخلاق ، وطهارات القلوب وعلاجها ، وصيانة الجوارح وإزالة اعوجاجها ، وغير ذلك من مقاصد العارفين .
وألتزم فيه أن لا أذكر إلا حديثا صحيحا من الواضحات ، مضافا إلى الكتب الصحيحة المشهورات . وأصدر الأبواب من القرآن العزيز بآيات كريمات ، وأوشح ما يحتاج إلى ضبط أو شرح معنى خفي بنفائس من التنبيهات .
وإذا قلت في آخر حديث : متفق عليه فمعناه : رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم .
وأرجو إن تم هذا الكتاب أن يكون سائقا للمعتني به إلى الخيرات حاجزا له عن أنواع القبائح والمهلكات . وأنا سائل أخا ينتفع بشيء منه أن يدعو لي ، ولوالدي ، ومشايخي ، وسائر أحبابنا ، والمسلمين أجمعين، وعلى الله الكريم اعتمادي ، وإليه تفويضي واستنادي ، وحسبي الله ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم
[ ص: 11 ] مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ، الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ، مُكَوِّرِ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَارِ ، تَذْكِرَةً لِأُولِي الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ ، وَتَبْصِرَةً لِذَوِي الْأَلْبَابِ وَالِاعْتِبَارِ ، الَّذِي أَيْقَظَ مِنْ خَلْقِهِ مَنِ اصْطَفَاهُ فَزَهَّدَهُمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ ، وَشَغَلَهُمْ بِمُرَاقَبَتِهِ وَإِدَامَةِ الْأَفْكَارِ ، وَمُلَازَمَةِ الِاتِّعَاظِ وَالِادِّكَارِ ، وَوَفَّقَهُمْ لِلدَّأْبِ فِي طَاعَتِهِ ، وَالتَّأَهُّبِ لِدَارِ الْقَرَارِ ، وَالْحَذَرِ مِمَّا يُسْخِطُهُ وَيُوجِبُ دَارَ الْبَوَارِ ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى ذَلِكَ مَعَ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ وَالْأَطْوَارِ ، أَحْمَدُهُ أَبْلَغَ حَمْدٍ وَأَزْكَاهُ ، وَأَشْمَلَهُ وَأَنْمَاهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْبَرُّ الْكَرِيمُ ، الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ ، الْهَادِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَالدَّاعِي إِلَى دِينٍ قَوِيمٍ ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ ، وَآلِ كُلٍّ ، وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=57مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُمْ خُلِقُوا لِلْعِبَادَةِ ، فَحَقَّ عَلَيْهِمُ الِاعْتِنَاءُ بِمَا خُلِقُوا لَهُ
nindex.php?page=treesubj&link=29497_19793وَالْإِعْرَاضُ عَنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا بِالزَّهَادَةِ ، فَإِنَّهَا دَارُ نَفَادٍ لَا مَحَلُّ إِخْلَادٍ ، وَمَرْكَبُ عُبُورٍ لَا مَنْزِلُ حُبُورٍ ، وَمَشْرَعُ انْفِصَامٍ لَا مَوْطِنُ دَوَامٍ ، فَلِهَذَا كَانَ الْأَيْقَاظُ مِنْ أَهْلِهَا هُمُ الْعُبَّادُ ، وَأَعْقَلُ النَّاسِ فِيهَا هُمُ الزُّهَّادُ . قَالَ اللهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضِ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ . وَالْآيَاتُ
[ ص: 12 ] فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ . وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ :
إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا فُطَنَا طَلَّقُوا الدُّنْيَا وَخَافُوا الْفِتَنَا نَظَرُوا فِيهَا فَلَمَّا عَلِمُوا
أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَيٍّ وَطَنَا جَعَلُوهَا لُجَّةً وَاتَّخَذُوا
صَالِحَ الْأَعْمَالِ فِيهَا سُفُنَا
فَإِذَا كَانَ حَالُهَا مَا وَصَفْتُهُ ، وَحَالُنَا وَمَا خُلِقْنَا لَهُ مَا قَدَّمْتُهُ ؛ فَحَقٌّ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَذْهَبَ بِنَفْسِهِ مَذْهَبَ الْأَخْيَارِ ، وَيَسْلُكَ مَسْلَكَ أُولِي النُّهَى وَالْأَبْصَارِ ، وَيَتَأَهَّبَ لِمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ ، وَيَهْتَمَّ لِمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ . وَأَصْوَبُ طَرِيقٍ لهُ فِي ذَلِكَ ، وَأَرْشَدُ مَا يَسْلُكُهُ مِنَ الْمَسَالِكِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28750_21404التَّأَدُّبُ بِمَا صَحَّ عَنْ نَبِيِّنَا سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ، وَأَكْرَمِ السَّابِقِينَ وَالَّلَاحِقِينَ ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ . وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661875وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ، وَأَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=676387nindex.php?page=treesubj&link=32023مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ وَأَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661839مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَأَنَّهُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=653425فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ فَرَأَيْتُ أَنْ أَجْمَعَ مُخْتَصَرًا مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، مُشْتَمِلًا عَلَى مَا يَكُونُ طَرِيقًا لِصَاحِبِهِ إِلَى الْآخِرَةِ ، وَمُحَصِّلًا لِآدَابِهِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ . جَامِعًا لِلتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ آدَابِ السَّالِكِينَ : مِنْ أَحَادِيثِ
nindex.php?page=treesubj&link=24625الزُّهْدِ وَرِيَاضَاتِ النُّفُوسِ ، وَتَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ ، وَطَهَارَاتِ الْقُلُوبِ وَعِلَاجِهَا ، وَصِيَانَةِ الْجَوَارِحِ وَإِزَالَةِ اعْوِجَاجِهَا ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الْعَارِفِينَ .
وَأَلْتَزِمُ فِيهِ أَنْ لَا أَذْكُرَ إِلَّا حَدِيثًا صَحِيحًا مِنَ الْوَاضِحَاتِ ، مُضَافًا إِلَى الْكُتُبِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَاتِ . وَأُصَدِّرُ الْأَبْوَابَ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ بِآيَاتٍ كَرِيمَاتٍ ، وَأُوَشِّحُ مَا يَحْتَاجُ إِلَى ضَبْطٍ أَوْ شَرْحِ مَعْنًى خَفِيٍّ بِنَفَائِسَ مِنَ التَّنْبِيهَاتِ .
وَإِذَا قُلْتُ فِي آخِرِ حَدِيثٍ : مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَمَعْنَاهُ : رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=17080وَمُسْلِمٌ .
وَأَرْجُو إِنْ تَمَّ هَذَا الْكِتَابُ أَنْ يَكُونَ سَائِقًا لِلْمُعْتَنِي بِهِ إِلَى الْخَيْرَاتِ حَاجِزًا لَهُ عَنْ أَنْوِاعِ الْقَبَائِحِ وَالْمُهْلِكَاتِ . وَأَنَا سَائِلٌ أَخًا يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ لِي ، وَلِوَالِدَيَّ ، وَمَشَايِخِي ، وَسَائِرِ أَحْبَابِنَا ، وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى اللهِ الْكَرِيمِ اعْتِمَادِي ، وَإِلَيْهِ تَفْوِيضِي وَاسْتِنَادِي ، وَحَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ