الأدلة:
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب القول الأول القائلون بجواز
nindex.php?page=treesubj&link=14297شهادة الكفار من أهل الكتاب في الوصية في السفر إذا لم يكن غيرهم بما يلي:
[ ص: 404 ] 1 - قول الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت .
وجه الدلالة: دلت الآية على جواز قبول شهادة الكفار على الوصية في السفر.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة: « وهذا نص الكتاب » .
نوقش هذا الاستدلال من وجوه:
الوجه الأول: أن معنى قوله تعالى في الآية:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106من غيركم أي: من غير عشيرتكم، وليس المقصود به من غير ملتكم، وممن فسرها بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب، والحسن، nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين، وعبيدة، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي، وسليمان التيمي، وغيرهم.
وبهذا لا تدل على جواز شهادة الكافر.
وأجيب عن هذه المناقشة بأمور:
الأمر الأول: أن حمل الآية على هذا المعنى لا يصلح مطلقا ; لأن الآية نزلت في قصة
عدي وتميم - كما سيأتي - بلا خلاف بين المفسرين، ودلت على ذلك الأحاديث الموردة في هذا الخصوص.
الأمر الثاني: أن حمل الآية على ذلك يحتاج إلى تقدير مضاف، أي: من غير قبيلتكم، والحذف نوع من المجاز، ويحتاج إلى قرينة ولا وجود لها.
الأمر الثالث: لو سلمنا لهم أن معنى الآية: (من غير عشيرتكم ) لما
[ ص: 405 ] وجبت الأيمان ; لأن الشاهدين من المسلمين لا قسامة عليهم، فدل على أن المقصود من غير المسلمين من أهل الكتاب.
الأمر الرابع: أنه مخالف لفعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته.
الأمر الخامس: أن الخطاب في الآية للمؤمنين:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104يا أيها الذين آمنوا ، فكذلك الخطاب في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106أو آخران من غيركم ، يعني: غير المؤمنين، وغير المؤمنين هم الكفار، وليس في الآية ما يشير إلى كون الخطاب للقبيلة.
الأمر السادس: لو كان المراد آخرين من غير قبيلتهم لما قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله ; لأن الشاهدين المسلمين لا يمين عليهما ، فلما قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله ، دل ذلك على أنهما غير المسلمين.
الوجه الثاني: أن الشهادة الواردة في الآية يقصد بها التحمل، وليس الأداء.
وأجيب: بأنها لا تصح; لأنه أمر بإحلافهم، والتحمل ليس فيه أيمان كما هو معلوم.
الوجه الثالث: أن المقصود بالشهادة هنا في الآية - أيمان الوصي على الورثة.
وقد أجيب: بأن حمل الشهادة على اليمين غير صحيح; لأمور:
الأول: أن الشهادة حقيقة في الشهادة بالحق عند الحاكم، كما في قوله
[ ص: 406 ] تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وأقيموا الشهادة لله ، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=283ولا تكتموا الشهادة ، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282واستشهدوا شهيدين من رجالكم .
واللفظ محمول على حقيقته عند الإطلاق، ويؤيد إرادة الحقيقة هنا عدة أمور في نص الآية.
قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106إذا حضر أحدكم الموت ، فإنه يبعد أن يكون المراد أيمانا بينكم إذا حضر أحدكم الموت; لأن وقت حضور الموت ليس وقت أيمان، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ، فإنه لو كان المراد بالشهادة اليمين، لم يقل أو آخران من غيركم; لأن حكم اليمين لا يختلف، وجد العدلان من المسلمين أو عدما.
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106ولا نكتم شهادة الله ، فإن الذي يمكن كتمانه هي الشهادة العرفية، وهي التي نهى الله عن كتمانها في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=283ولا تكتموا الشهادة ، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ، أما اليمين فهي أمر ظاهر موجود، لا يقال فيها لا نكتم اليمين.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ، فإن الشهادة الحقيقة
[ ص: 407 ] هي التي يؤتى بها على وجهها تارة، ومحرفة أو مزورة تارة أخرى، بخلاف اليمين لا يقال فيها ، أو يأتوا باليمين على وجهها.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ، فإنه يدل على أن المراد بالشهادة في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106شهادة بينكم ، هي الشهادة العرفية الحقيقية لا اليمين; لأنه لما أراد الله تعالى الحديث عن اليمين ذكرها بلفظها واسمها فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108أن ترد أيمان بعد أيمانهم ، فدل ذلك على أن المراد بالشهادة هي الشهادة الحقيقية; لأن الله تعالى نص على الشهادة، ثم أعقبها بالعدالة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106ذوا عدل ، واليمين لا يشترط فيها ذلك، ثم نص على أنهما اثنان، واليمين ليس كذلك ، ثم إن الشاهد المسلم لا يحلف.
الوجه الرابع: أن الآية منسوخة بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ، وليست محكمة.
وأجيب بأمور:
الأمر الأول: بأن الآية في سورة المائدة، وهذه السورة من آخر ما نزل من القرآن، بدليل:
(242 ) ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=11861أبي الزاهرية، عن
جبير بن نفير قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=705216دخلت على nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها فقالت: هل تقرأ سورة المائدة؟ قال: قلت: نعم. [ ص: 408 ] قالت: « فإنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه » .
nindex.php?page=hadith&LINKID=705216وسألتها عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: « القرآن » .
وقال
أبو ميسرة: «
nindex.php?page=treesubj&link=28976_28913في المائدة ثماني عشرة فريضة، وليس فيها منسوخ » ، وقال
الحسن: « لم ينسخ من المائدة شيء » .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم: عقب إيراده لقول
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة السابق « فبطل أنها منسوخة » - أي: الآية - وصح أنها محكمة » .
الثاني: ما قاله غير واحد من أن المائدة لم ينسخ منها شيء.
الثالث: أن دلالة آية المائدة على قبول شهادة الكفار بالوصية في حالة السفر دلالة بالمنطوق، وآية الدين في البقرة تدل على عدم القبول بالمفهوم، والمنطوق مقدم إذا تعارضا، كما أن النسخ بمفهوم المخالفة لا يجوز عند جماعة من الأصوليين.
[ ص: 409 ] الرابع: أن آية المائدة خاصة في الوصية، وآية الدين عامة، وإذا تعارض الخاص والعام قدم الخاص على العام.
الخامس: أن آية الدين متأخرة، والعام المتأخر لا ينسخ المتقدم خلافا للحنفية.
السادس: أن
nindex.php?page=treesubj&link=27880النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع بين الدليلين، وهو هنا ممكن بحمل العام على الخاص.
2 - ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من طريق
عبد الملك بن سعيد بن جبير ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652572خرج رجل من بني سهم مع nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري، وعدي بن بداء، فمات السهمي بأرض ليس بها nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، فلما قدما بتركته ، فقدوا جاما من فضة مخوصا من ذهب « فأحلفهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- » ، ثم وجد الجام بمكة، فقالوا: ابتعناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أوليائه ، فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما، وإن الجام لصاحبهم، قال: وفيهم نزلت هذه الآية: nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت .
وجه الدلالة من الحديث: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل شهادة أهل الكتاب على وصية المسلم في السفر، وقد كان
تميم وعدي حينئذ على دين أهل الكتاب ، كما دل على ذلك رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي، وفيها:
nindex.php?page=hadith&LINKID=665355 (وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام ) .
(243 ) 3 - ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود من طريق
زكريا، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي: أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقاء هذه، ولم يجد أحدا من المسلمين يشهده [ ص: 410 ] على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب، فقدما الكوفة، فأتيا nindex.php?page=showalam&ids=110أبا موسى الأشعري، فأخبراه وقدما بتركته ووصيته ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فأحلفهما بعد العصر بالله ما خانا ، ولا كذبا، ولا بدلا ، ولا كتما، ولا غيرا، وإنها لوصية الرجل وتركته ، فأمضى شهادتهما .
[ ص: 411 ] وجه الدلالة: دل هذا الدليل على أن شهادة الكافر على الوصية في السفر جائزة، وقد كان هذا هو المقرر لدى صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فقد طبق ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري في هذا الدليل هذا الحكم، وأمضى شهادة الكافر على هذه الوصية، وذكر أنه متبع النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، وأن هذه الواقعة كالتي وقعت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ; ولذلك قضى فيها بما قضى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
(344 ) 4 - ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17346يزيد بن أبي حبيب، عن
سلمة بن أبي سلمة، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: خرج رجل من المسلمين فمر بقرية، فمرض ومعه رجلان من المسلمين، فدفع إليهما ماله، ثم قال: ادعوا لي من أشهده على ما قبضتما، فلم يجدوا أحدا من المسلمين في تلك القرية، قال: فدعوا ناسا من اليهود، فأشهدهم على ما دفع إليهما، ثم إن المسلمين قدما بالمال إلى أهله، فقالوا: قد كان معه من المال أكثر مما آتيتمونا به قال: فاستحلفوهما بالله ما دفع إليهما غير هذا ، ثم قدم ناس من اليهود والنصارى فسألهم أهل المتوفى، فأخبروهم أنه هلك بقريتهم وترك كذا وكذا من المال، فعلم أهل المتوفى أن قد عثروا على أن المسلمين قد استحقا إثما، فانطلقوا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود، فأخبروه بالذي كان من
[ ص: 412 ] أمرهم، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود: ما من كتاب الله عز وجل من شيء إلا قد جاء على إدلاله، إلا هذه الآية، فالآن حين جاء تأويلها، « فأمر المسلمين أن يحلفا بالله لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين، ثم أمر اليهود والنصارى أن يحلفوا بالله لقد ترك من المال كذا وكذا ، ولشهادتنا أحق من شهادة هذين المسلمين، وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين، ثم أمر أهل المتوفى أن يحلفوا بالله: أن ما شهدت به اليهود والنصارى حق فحلفوا، فأمرهم
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أن يأخذوا من المسلمين ما شهدت به اليهود والنصارى، قال: وكان ذلك في خلافة
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان -رضي الله عنه- .
وجه الدلالة: كدلالة الدليل السابق، وفيهما دلالة على أنه لم يعلم لهذين الصحابيين الجليلين مخالف.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة: « فقد ثبت هذا الحكم بكتاب الله، وقضاء رسول الله ، وقضاء الصحابة به، وعملهم بما ثبت في الكتاب والسنة » .
الْأَدِلَّةُ:
أَدِلَّةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ:
اسْتَدَلَّ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=14297شَهَادَةِ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمْ بِمَا يَلِي:
[ ص: 404 ] 1 - قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتُ .
وَجْهُ الدَّلَالَةِ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى جَوَازِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْكُفَّارِ عَلَى الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابْنُ قُدَامَةَ: « وَهَذَا نَصُّ الْكِتَابِ » .
نُوقِشَ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ مِنْ وُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106مِنْ غَيْرِكُمْ أَيْ: مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مِلَّتِكُمْ، وَمِمَّنْ فَسَّرَهَا بِذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، nindex.php?page=showalam&ids=16972وَابْنُ سِيرِينَ، وَعُبَيْدَةُ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيُّ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
وَبِهَذَا لَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الْكَافِرِ.
وَأُجِيبَ عَنْ هَذِهِ الْمُنَاقَشَةِ بِأُمُورٍ:
الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: أَنَّ حَمْلَ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا يَصْلُحُ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ
عَدِيٍّ وَتَمِيمٍ - كَمَا سَيَأْتِي - بِلَا خِلَافٍ بَيْنِ الْمُفَسِّرِينَ، وَدَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمُورَدَةُ فِي هَذَا الْخُصُوصِ.
الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ حَمَلَ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ مُضَافٍ، أَيْ: مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ، وَالْحَذْفُ نَوْعٌ مِنَ الْمَجَازِ، وَيَحْتَاجُ إِلَى قَرِينَةٍ وَلَا وُجُودَ لَهَا.
الْأَمْرُ الثَّالِثُ: لَوْ سَلَّمَنَا لَهُمْ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: (مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ ) لَمَا
[ ص: 405 ] وَجَبَتِ الْأَيْمَانُ ; لِأَنَّ الشَّاهِدِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا قَسَامَةَ عَلَيْهِمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
الْأَمْرُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِفِعْلِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَحَابَتِهِ.
الْأَمْرُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْخُطَّابَ فِي الْآيَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، فَكَذَلِكَ الْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ، يَعْنِي: غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ هُمِ الْكُفَّارُ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يُشِيرُ إِلَى كَوْنِ الْخَطَابِ لِلْقَبِيلَةِ.
الْأَمْرُ السَّادِسُ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ آخَرِينَ مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِهِمْ لَمَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ ; لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ لَا يَمِينَ عَلَيْهِمَا ، فَلَمَّا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا غَيْرُ الْمُسْلِمَيْنِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّهَادَةَ الْوَارِدَةَ فِي الْآيَةِ يُقْصَدُ بِهَا التَّحَمُّلَ، وَلَيْسَ الْأَدَاءَ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِإِحْلَافِهِمْ، وَالتَّحَمُّلُ لَيْسَ فِيهِ أَيْمَانٌ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالشَّهَادَةِ هُنَا فِي الْآيَةِ - أَيْمَانُ الْوَصِيِّ عَلَى الْوَرَثَةِ.
وَقَدْ أُجِيبُ: بِأَنَّ حَمْلَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْيَمِينِ غَيْرُ صَحِيحٍ; لِأُمُورٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الشَّهَادَةَ حَقِيقَةٌ فِي الشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ عِنْدَ الْحَاكِمِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ
[ ص: 406 ] تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=283وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ .
وَاللَّفْظُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَيُؤَيِّدُ إِرَادَةَ الْحَقِيقَةِ هُنَا عِدَّةُ أُمُورٍ فِي نَصِّ الْآيَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ، فَإِنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَيْمَانًا بَيْنَكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ; لِأَنَّ وَقْتَ حُضُورِ الْمَوْتِ لَيْسَ وَقْتَ أَيْمَانٍ، وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالشَّهَادَةِ الْيَمِينَ، لَمْ يَقُلْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ; لَأَنَّ حُكْمَ الْيَمِينِ لَا يَخْتَلِفُ، وُجِدَ الْعَدْلَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ عُدِمَا.
وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ ، فَإِنَّ الَّذِي يُمْكِنُ كِتْمَانُهُ هِيَ الشَّهَادَةُ الْعُرْفِيَّةُ، وَهِيَ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْ كِتْمَانِهَا فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=283وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا ، أَمَّا الْيَمِينُ فَهِيَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ مَوْجُودٌ، لَا يُقَالُ فِيهَا لَا نَكْتُمُ الْيَمِينَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ الْحَقِيقَةَ
[ ص: 407 ] هِيَ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا عَلَى وَجْهِهَا تَارَةً، وَمُحَرَّفَةً أَوْ مُزَوَّرَةً تَارَةً أُخْرَى، بِخِلَافِ الْيَمِينِ لَا يُقَالُ فِيهَا ، أَوْ يَأْتُوا بِالْيَمِينِ عَلَى وَجْهِهَا.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّهَادَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ ، هِيَ الشَّهَادَةُ الْعُرْفِيَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ لَا الْيَمِينُ; لِأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثَ عَنِ الْيَمِينِ ذَكَرَهَا بِلَفْظِهَا وَاسْمِهَا فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّهَادَةِ هِيَ الشَّهَادَةُ الْحَقِيقِيَّةُ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى الشَّهَادَةِ، ثُمَّ أَعْقَبَهَا بِالْعَدَالَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106ذَوَا عَدْلٍ ، وَالْيَمِينُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ، ثُمَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُمَا اثْنَانِ، وَالْيَمِينُ لَيْسَ كَذَلِكَ ، ثُمَّ إِنَّ الشَّاهِدَ الْمُسْلِمَ لَا يَحْلِفُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ ، وَلَيْسَتْ مَحْكَمَةً.
وَأُجِيبَ بِأُمُورٍ:
الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: بِأَنَّ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَهَذِهِ السُّورَةُ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ، بِدَلِيلِ:
(242 ) مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=11861أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ
جُبَيْرِ بْنِ نُفَيرٍ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=705216دَخَلْتُ عَلَى nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. [ ص: 408 ] قَالَتْ: « فَإِنَّهَا آخَرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلَالٍ فَاسْتَحَلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ » .
nindex.php?page=hadith&LINKID=705216وَسَأَلْتُهَا عَنْ خُلَقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: « الْقُرْآنُ » .
وَقَالَ
أَبُو مَيْسَرَةَ: «
nindex.php?page=treesubj&link=28976_28913فِي الْمَائِدَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً، وَلَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ » ، وَقَالَ
الْحَسَنُ: « لَمْ يُنْسَخْ مِنَ الْمَائِدَةِ شَيْءٌ » .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ: عَقِبَ إِيرَادِهِ لِقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ السَّابِقَ « فَبَطَلَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ » - أَيِ: الْآيَةُ - وَصَحَّ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ » .
الثَّانِي: مَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَنَّ الْمَائِدَةَ لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ.
الثَّالِثُ: أَنَّ دَلَالَةَ آيَةِ الْمَائِدَةِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْكُفَّارِ بِالْوَصِيَّةِ فِي حَالَةِ السَّفَرِ دَلَالَةٌ بِالْمَنْطُوقِ، وَآيَةُ الدَّيْنِ فِي الْبَقَرَةِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْقَبُولِ بِالْمَفْهُومِ، وَالْمَنْطُوقُ مُقَدَّمٌ إِذَا تَعَارَضَا، كَمَا أَنَّ النَّسْخَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ.
[ ص: 409 ] الرَّابِعُ: أَنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ خَاصَّةٌ فِي الْوَصِيَّةِ، وَآيَةُ الدَّيْنِ عَامَّةٌ، وَإِذَا تَعَارَضَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ قُدِّمَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ.
الْخَامِسُ: أَنَّ آيَةَ الدَّيْنِ مُتَأَخِّرَةٌ، وَالْعَامُّ الْمُتَأَخِّرُ لَا يَنْسَخُ الْمُتَقَدِّمَ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ.
السَّادِسُ: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27880النَّسْخَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، وَهُوَ هُنَا مُمْكِنٌ بِحَمْلِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ.
2 - مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652572خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ nindex.php?page=showalam&ids=155تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ ، فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا مِنْ ذَهَبَ « فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- » ، ثُمَّ وُجِدَ الْجَامُ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ ، فَحَلَفَا لِشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَإِنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ، قَالَ: وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ .
وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْحَدِيثِ: أَنَّ الرَّسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبِلَ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ فِي السَّفَرِ، وَقَدْ كَانَ
تَمِيمٌ وَعَدِيٌّ حِينَئِذٍ عَلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيَّ، وَفِيهَا:
nindex.php?page=hadith&LINKID=665355 (وَكَانَا نَصْرَانِيَّيْنِ يَخْتَلِفَانِ إِلَى الشَّامِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ) .
(243 ) 3 - مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ
زَكَرِيَّا، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيِّ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِدَقُوقَاءَ هَذِهِ، وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُ [ ص: 410 ] عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَدِمَا الْكُوفَةَ، فَأَتَيَا nindex.php?page=showalam&ids=110أَبَا مُوسِىَ الْأَشْعَرِيَّ، فَأَخْبَرَاهُ وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ ، فَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=13711الْأَشْعَرِيُّ: هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فَأَحْلَفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ بِاللَّهِ مَا خَانَا ، وَلَا كَذَبًا، وَلَا بَدَّلَا ، وَلَا كَتَمَا، وَلَا غَيَّرَا، وَإِنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ وَتَرِكَتُهُ ، فَأَمْضَى شَهَادَتَهُمَا .
[ ص: 411 ] وَجْهُ الدَّلَالَةِ: دُلَّ هَذَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرِ عَلَى الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ جَائِزَةٌ، وَقَدْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمُقَرَّرُ لَدَى صَحَابَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فَقَدْ طَبَّقَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فِي هَذَا الدَّلِيلِ هَذَا الْحُكْمَ، وَأَمْضَى شَهَادَةَ الْكَافِرِ عَلَى هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مُتَّبِعُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ كَالَّتِي وَقَعَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ; وَلِذَلِكَ قَضَى فِيهَا بِمَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(344 ) 4 - مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12074أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17346يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ
سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَمَرَّ بِقَرْيَةٍ، فَمَرِضَ وَمَعَهُ رَجُلَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَدَفَعَ إِلَيْهِمَا مَالَهُ، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوَا لِي مَنْ أُشْهِدُهُ عَلَى مَا قَبَضْتُمَا، فَلَمْ يَجِدُوا أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ، قَالَ: فَدَعَوَا نَاسًا مِنَ الْيَهُودِ، فَأَشْهَدَهُمْ عَلَى مَا دَفَعَ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمَيْنِ قَدِمَا بِالْمَالِ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالُوا: قَدْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْمَالِ أَكْثَرُ مِمَّا آتَيْتُمُونَا بِهِ قَالَ: فَاسْتَحْلَفُوهُمَا بِاللَّهِ مَا دُفِعَ إِلَيْهِمَا غَيْرُ هَذَا ، ثُمَّ قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَسَأَلَهَمْ أَهْلُ الْمُتَوَفَّى، فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُ هَلَكَ بِقَرْيَتِهِمْ وَتَرَكَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَالِ، فَعَلِمَ أَهْلُ الْمُتَوَفَّى أَنْ قَدْ عَثَرُوا عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَيْنِ قَدِ اسْتَحَقَّا إِثْمًا، فَانْطَلَقُوا إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ، فَأَخْبَرُوهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ
[ ص: 412 ] أَمْرِهِمْ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا قَدْ جَاءَ عَلَى إِدْلَالِهِ، إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ، فَالْآنَ حِينَ جَاءَ تَأْوِيلُهَا، « فَأَمَرَ الْمُسْلِمَيْنِ أَنْ يَحْلِفَا بِاللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لِمَنِ الْآثِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَنْ يَحْلِفُوا بِاللَّهِ لَقَدْ تَرَكَ مِنَ الْمَالِ كَذَا وَكَذَا ، وَلِشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَةِ هَذَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذَا لِمَنِ الظَّالِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ أَهْلَ الْمُتَوَفَّى أَنْ يَحْلِفُوا بِاللَّهِ: أَنَّ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارى حَقٌّ فَحَلَفُوا، فَأَمَرَهُمُ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ أَنْ يَأْخُذُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- .
وَجْهُ الدَّلَالَةِ: كَدَلَالَةِ الدَّلِيلِ السَّابِقِ، وَفِيهِمَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ لِهَذَيْنِ الصَّحَابِيَّيْنِ الْجَلِيلَيْنِ مُخَالِفٌ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابْنُ قُدَامَةَ: « فَقَدْ ثَبَتَ هَذَا الْحُكْمُ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَقَضَاءِ الصَّحَابَةِ بِهِ، وَعَمَلِهِمْ بِمَا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ » .