المبحث الخامس: شروط الموصي والموصى إليه
وفيه مطالب:
المطلب الأول: شروط الموصي
المراد بالموصي: هو الآمر بالتصرف بعد الموت.
ويشترط له شروط:
الشرط الأول: العقل.
فيشترط أن يكون الموصي عاقلا باتفاق الأئمة، فلا تصح وصية من زال عقله بجنون أو غطي عليه بسكر أو إغماء.
ودليل ذلك:
1- حديث -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: عائشة «رفع القلم عن ثلاثة: وعن المجنون حتى يفيق».
2- ولأنه لا عبارة لهؤلاء ولا حكم لكلامهم.
[ ص: 21 ] الشرط الثاني: البلوغ.
اتفق الفقهاء على أنه لا تصح وصاية صبي غير مميز; إذ لا عبارة له، ولأنه يولى عليه، فمن باب أولى أن لا يلي أمر غيره.
أما الصبي المميز: فقد اختلف الفقهاء في وصايته، فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة في رواية: إلى أنه لا تصح وصاية الصبي المميز، إلا أن الحنفية استثنوا: ما إذا كانت الوصاية في تجهيزه وأمر دفنه فتصح منه.
وذهب المالكية، والحنابلة -على الصحيح من المذهب- والشافعية في قول: إلى صحة وصاية الصبي المميز; لأنها تصرف تمحض نفعا له، فصح منه كالإسلام والصلاة.
واشترط المالكية لصحة الوصاية من المميز: أن يكون ممن يعقل القربة كما قيد بعض الحنابلة صحة الوصاية من المميز بأن يكون قد جاوز العشر.
وانظر بحث شروط الوصي في باب الموصي والموصى له: شرط البلوغ.
وقد تقدم التفصيل في هذه المسألة.
الشرط الثالث: الحرية.
اختلف الفقهاء في اشتراط أن يكون الموصي حرا على قولين:
القول الأول: صحة الوصاية إلى العبد في غير المال، سواء كان مكاتبا، أم مدبرا، أم أم ولد، أم غيرهم.
وبه قال الحنابلة.
[ ص: 22 ] وحجته:
(269) 1- ما رواه من طريق البخاري عن شعبة، عن أبي التياح، -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنس بن مالك «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة».
فدل على أنه أهل للولاية في الجملة.
2- ولأن له عبارة صحيحة وأهلية تامة.
القول الثاني: أنه يشترط أن يكون الموصي حرا.
وبه قال الحنفية، والمالكية، والشافعية.
وحجته:
1- أن الرق ينافي الولايات المتعدية كولاية القضاء والشهادة والتزويج وغيرها; لأنها تنبئ عن القدرة الحكمية; إذ الولاية تنفيذ القول على الغير شاء أو أبى، والرق عجز حكمي.
2- أن الأصل في الولايات ولاية المرء على نفسه، ثم التعدي منه إلى غيره عند وجود شرط التعدي، ولا ولاية للعبد على نفسه، فكيف يتعدى إلى غيره.
ونوقش هذا الاستدلال بهذين الدليلين: بأنها لا تخلو إما أن تكون استدلالا بمحل النزاع، أو قياسا على مختلف فيه.
الراجح -والله أعلم- هو القول الأول; إذ الأصل تساوي الأحرار والأرقة في الأحكام البدنية المحضة، إلا لدليل.
[ ص: 23 ] الشرط الخامس: الولاية.
يشترط في الموصي أن تكون له ولاية على من يوصي عليه.
وذكر الشافعية ضمن شروط الموصي: أن لا يكون للطفل من يستحق الولاية; لأن مستحق الولاية بنفسه أقوى ممن يستحقها بغيره، فعلى هذا لو أوصى الأب بالولاية على أطفال وهناك جد كانت الوصية باطلة ولم يشترط بقية الفقهاء هذا الشرط.
الشرط السادس: الإسلام.
الكافر ليس من أهل الولاية بالنسبة للمسلم، فلا يصح إيصاء الكافر إلى غيره على أولاده المسلمين.
لقوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا
وأما إيصاء الكافر على الكافر فسيأتي في شروط الموصى إليه.
الشرط السابع: الرشد.
اختلف الفقهاء في اشتراط كون الموصي رشيدا على قولين:
القول الأول: عدم اشتراطه فيصح إيصاء السفيه على أولاده.
وبه قال الحنفية والشافعية.
وحجته: أن السفه لا ينافي الأهلية، ولا شيئا من الأحكام سوى ما يتعلق بالمال.
القول الثاني: اشتراط كون الموصي رشيدا.
[ ص: 24 ] وذهب المالكية إليه والحنابلة، فليس للأب السفيه أن يوصي على ولده وإنما ينظر له الحاكم; لأن الأب السفيه لا يملك التصرف على ولده بنفسه فوصيه أولى.
وقال المرداوي: «ظاهر كلام كثير من الأصحاب في باب الموصى إليه صحة وصية السفيه على أولاده، وهو أولى بالصحة من الوصية بالمال».
الراجح: -والله أعلم- هو القول الأول; لقوة دليله.
الشرط الثامن: العدالة.
اختلف الفقهاء في اشتراط العدالة في الموصي على قولين:
فذهب الحنفية، وهو ظاهر قول المالكية، والحنابلة إلى عدم اشتراط العدالة في الموصي، فتصح وصاية الفاسق.
لعموم أدلة الولاية.
وذهب الشافعية: إلى اشتراط العدالة في الموصي، فلا تصح وصاية الفاسق عندهم; لأن الفاسق ليس له ولاية، فكان أولى أن لا تصح منه تولية.
الراجح -والله أعلم- هو القول الأول; لقوة دليله.
* * *