(187) 12 - ما رواه من طريق مسلم عن أبي الزبير، رضي الله عنهما قال: جابر أبا عبيدة نلتقي عيره لقرى، وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة ». بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم التمر مشاعا بينهم، وكذا الوقف بجامع التبرع.
ويناقش: بأن هذا الدليل لا يصلح للاستدلال به على مذهب [ ص: 631 ] لأن العبرة بالشيوع المانع من الصحة هبة عندهم: الشيوع وقت القبض لا وقت العقد، فلو أبي حنيفة؛ وقد سلمه وهبه مشاعا، وسلمه مقسوما صحت الهبة، أبو عبيدة هنا مقسوما.
(188) 13 - ما رواه البخاري من طريق ومسلم أبي حازم، عن عبد الله ابن أبي قتادة، عن أبيه - أبي قتادة رضي الله عنه - قال: مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نازل أمامنا، والقوم محرمون وأنا غير محرم...، فعقرته - أي: الحمار - ، ثم جئت به وقد مات، فوقعوا عليه يأكلونه، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم، فرحنا وخبأت العضد معي فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عن ذلك، فقال: « هل معكم منه شيء؟ فقلت: نعم، فناولته العضد، فأكلها وهو محرم ». كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في منزل في طريق
وجه الاستدلال: أن أبا قتادة صاده ووهبه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هبة مشاعة وأقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك.
ويناقش بما نوقش به حديث البهزي من أنه أباحه لهم، ولم يهبه إياهم.
ويجاب عن ذلك بأنه لو أراد إباحته لهم لتركه في مكانه، ثم أخبرهم بأنه أباحه لهم، لكن لما أتى به لهم علمنا أنه قصد هبته لهم.
14 - ما علقه جازما به حيث قال: « وجعل البخاري نصيبه من دار ابن عمر رضي الله عنه سكنى لذوي الحاجة من عمر آل عبد الله ». [ ص: 632 ]
وقال ابن حجر : وصله ابن سعد بمعناه.
(189) 15 - ما رواه قال : قال البيهقي أبو يحيى الساجي: « وروي أن الحسن وقف أحدهما أشقاصا من دوره، فأجاز ذلك العلماء ». والحسين
(190) 16 - « وتصدق بالسهم بالغابة الذي وهبت له ابن عمر ». حفصة
17 - أن القصد تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وهذا يحصل في المشاع كحصول في المفرز.
18 - أن المشاع عرصة يجوز بيعها، فجاز وقفها قياسا على المفرزة.
ونوقش بأن المفرزة يمكن فيها القبض، بخلاف الشائعة، فلا يمكن فيها القبض لشيوعها.
وأجيب بأن القبض ليس شرطا لصحة الوقف، كما سبق.
19 - يحصل به تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة بلا ضرر في ذلك. وقف المشاع
20 - أنه كما يصح بيع الشريك نصيبه المشاع يجوز وقفه. [ ص: 633 ]
قال « أنا عندي جائز أن يوقف مشاعا غير مقسوم، سهم من كذا وكذا سهم مثل البيع ». الإمام أحمد:
وقال أيضا عن المشاع: « كيف يجيزون بيعه ولا يجيزون إذا وقفه؟! قول متناقض، إذا كان يبيعه فإنما باع ما يملكه، وكذا يوقف ما يملك ».
وقال في وقف المشاع: « هم يقولون: البيع جائز، والصدقة والوقف والهبة أيضا مثله ».
أدلة القول الثاني: (عدم صحة وقف ما لا يقبل القسمة) :
استدل على أنه لا يصح وقف ما لا يقبل القسمة :
1 - أن الشريك لا يقدر على البيع، وإن فسد فيها شيء لم يجد من يصلحه معه.
ويناقش بأنه لا يسلم أن الشريك لا يقدر على البيع، بل هو قادر عليه، ولا يعدم من يشتري منه، والإجماع على أن للشريك بيع نصيبه من المشاع.
أما القول بأنه لا يجد من يصلح معه ما يفسد فضعيف لقيام ناظر الوقف بهذا العمل، فهي أول واجباته؛ ولذا فهو موكل بذلك.
2 - أن والشيوع يخل بالقبض، والتسليم؛ [ ص: 634 ] لأن تمام القبض فيما يحتمل القسمة بالقسمة، وقياسا على الصدقة المنفذة ، فإنها لا تتم في مشاع يحتمل القسمة. القبض شرط لجواز الوقف،
ونوقش من وجوه:
الأول: أنه لا يسلم أن القبض شرط لصحة الوقف، كما حررته في مبحث قبض الوقف.
الثاني: أنه لو سلم اشتراط القبض، فإنه لا يسلم أنه لا يتم إلا بالقسمة، بل يتم بغير القسمة كما في الهبة؛ إذ يقوم الناظر مقام الموقوف عليه في القبض.
الثالث: أن الأصل المقيس عليه وهو الصدقة المنفذة ممنوع؛ إذ يصح التصدق بالمشاع.
3 - أن كل جزء من المشترك محكوم عليه بالمملوكية لكليهما، فيلزم مع وقف أحد الشريكين أن يحكم عليه بحكمين مختلفين متضادين؛ مثلا: صحة البيع بالنسبة لكونه مملوكا، وعدم صحته بالنسبة لكونه موقوفا. فيتصف كل جزء بالصحة وعدمها.
ونوقش بأن التصرف في المشاع تصرف فيما ثبت في الذمة ، وهو جائز، وأيضا وقف المشاع نظير عتق المشاع، وقد صح ذلك في السنة.
4 - أن القسمة بيع، وبيع الوقف لا يجوز.
ونوقش أنه لا يسلم فالقسمة إفراز. [ ص: 635 ]
أدلة القول الثالث: (عدم صحة الوقف إن كان الشيوع وقت الوقف والقبض...)
استدل لهذا الرأي بما يلي:
1 - بأن القبض شرط لجواز الوقف، والشيوع يخل بالقبض والتسليم ؛ لأن تمام القبض فيما يحتمل القسمة بالقسمة، قياسا على الصدقة المنفذة.
ويناقش هذا الدليل من وجوه:
أحدها: أنه استدلال في محل النزاع، فلا يسلم أن القبض شرط لجواز الوقف، بل يصح الوقف ولو لم يخرج من يد الواقف بدليل ما ورد عن عمر، وعلي، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم من أنهم ولوا صدقاتهم حتى ماتوا، وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم وفاطمة، رضي الله عنه أن يسبل ثمرة أرضه ويحبس أصلها دليل على أنه رأى ما صنع جائزا، ولم يأمر عمر رضي الله عنه أن يخرجه من ملكه إلى غيره، ولما صارت الصدقات مبتدأة في الإسلام لا مثال لها قبله علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ولم يكن فيما أمره به إذا حبس أصلها وسبل ثمرتها أن يخرجها إلى أحد يجوزها دونه، ويكفي هذا دلالة على اشتراط عدم الحوز والقبض. عمر،
الثاني: لو سلم باشتراط القبض، فإنه لا يسلم أنه لا يتم إلا بالقسمة، بل يتم بغير القسمة، كما في الهبة؛ إذ يقوم ولي الوقف مقام الموهوب له في القبض. [ ص: 636 ]
الثالث: أن الأصل المقيس عليه - وهو الصدقة المنفذة - ممنوع؛ إذ يصح التصدق بالمشاع على القول الراجح.
2 - واستدل لما ذهب إليه من صحة وقف ما لا يقبل القسمة بالقياس على الهبة والصدقة المنفذة.
3 - أن القسمة بيع ولا يجوز بيع الوقف.
وأجيب بعدم التسليم بأن القسمة بيع، بل هي إفراز لا بيع، وعلى التسليم بأنها بيع، فبيع المعروض للقسم كالمأذون في بيعه من محبسه، فضلا عن أن الممنوع هو بيع الوقف لغير بدل يكون أنفع للوقف.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - صحة وقف المشاع؛ لقوة دليله وضعف أدلة المخالفين بمناقشتها، ولأن الوقف قربة يؤمر بها، ويحث عليها.
ولما يحقق من توسيع للصور الوقفية، وفتح لباب كبير وأنواع متعددة من صور المشاركة في إنشاء الأوقاف، بل إن بقاء هذه الأجزاء مشاعا قد يكون سببا لحفظها من الاندراس والتلف مع مرور الزمن؛ لعناية باقي الشركاء بنصيبهم وسعيهم لتحقيق مصلحة العين المشاعة؛ مما يعود بالنفع على الجميع، وذلك متفق تماما مع مصلحة الوقف، كما يحقق المقصود منه من الاستمرار والدوام.