الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المسألة الثانية: سرقة الوقف على معين :

        اختلف العلماء في وجوب القطع في سرقة العين الموقوفة على معين على قولين، هما :

        القول الأول: أنه يجب قطع سارق العين الموقوفة على معين غيره.

        وبه قال بعض الحنفية ، وهو الأصح عند الشافعية، وهو الصحيح [ ص: 247 ] من المذهب عند الحنابلة.

        القول الثاني: أنه لا قطع في سرقة الموقوف على معين.

        وهو قول الحنفية، وهو وجه ضعيف عند الشافعية، وقول ضعيف للحنابلة.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        1- عموم قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ، وعموم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب قطع يد السارق،

        (282) كحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا"، فسارق الوقف لا شبهة له في تلك الحال، والوقف محرز سواء أقلنا الملك فيه لله تعالى أم للموقوف عليه أم للواقف.

        2- أنها مملوكة للموقوف عليه.

        ونوقش هذا الاستدلال : بعدم التسليم بأنها مملوكة للموقوف عليه، بل ملك لله تعالى كما سبق تحريره. [ ص: 248 ]

        وقال الرملي: "وأما غلة الموقوف المذكور فيقطع بها قطعا; لأنها ملك للموقوف عليه اتفاقا ".

        ودليل القول الثاني: (أنه لا يقطع) :

        القياس على سائر المباحات; لأنه لا مالك له، أو ملك ضعيف على القول بأنه ملك للموقوف عليه أو للواقف .

        ونوقش هذا الاستدلال: بأنه قياس مع الفارق; ذلك أن المباحات يجوز التصرف فيها بالانتفاع بها، ولا يجوز ذلك في الموقوف على الغير، كما أنه قد سبق في بحث ملكية الوقف ترجيح القول بخروج ملكيته إلى الله عز وجل أن هذا لا يتنافى مع القول بأنه مملوك ملكا خاصا لا يبيح له التصرف في عينه .

        الترجيح:

        الراجح - فيما يظهر لي - هو القول الأول ; لأن الآية جاءت عامة في قطع السارق، كما أن الحكمة من القطع هي: حفظ الأموال والاحتياط لها، وقطع العضو الفاسد الذي صدرت منه الجناية.

        وهذه الحكمة لم تتخلف في القطع بسرقة الوقف، فإن في سرقة الوقف إضرارا بالموقوف عليهم الذين يملكون غلة ذلك الوقف، فتعين القطع; حفظا لأموالهم وحقوقهم، وردعا لأمثال هؤلاء من الاجتراء على أوقاف المسلمين. [ ص: 249 ]

        يدل على ذلك أن سرقة غلة الموقوف على معين يجب فيها القطع بلا خلاف، حيث ذهب الجميع إلى وجوب القطع بتلك السرقة .

        فإذا كانت سرقة غلة الوقف على معين موجبة للقطع ; فلأن توجبه سرقة ذات الموقوف على معين أولى، فإن فيه حفظا لأموال المسلمين وحقوق الموقوف عليهم، وردعا لأمثال هؤلاء من الاجتراء على أوقاف المسلمين .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية