الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المبحث الثاني

        حجية الشهادة

        أجمع العلماء على مشروعية الشهادة، وأنها حجة شرعية لكنها تظهر الحق و لا توجبه ; لأنها تبين ملتبسا، وتكشف الحق في المختلف فيه.

        والوقف من جملة الأموال، وعلى ذلك فإنه ينطبق على الشهادة في الوقف ما ينطبق على الشهادة من أحكام .

        ولا يخلو من حالتين:

        الحال الأولى: أن يكون الوقف على معين:

        فتقبل فيه شهادة النساء مع الرجال فيقبل فيه شهادة رجل وامرأتين; لقوله تعالى : فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء .

        فرع: وأما شهادة المرأتين ويمين المدعي في الوقف إذا كان على معين، فاختلف العلماء في ذلك على قولين :

        القول الأول : لا يجوز القضاء بشهادة المرأتين ويمين المدعي .

        وهو قول الشافعية، والحنابلة.

        وحجته: أن شهادة المرأتين ضعيفة تفوت بالرجل، فيضم ضعيف إلى ضعيف، فلا يقبل .

        القول الثاني : تقبل شهادة المرأتين مع يمين المدعي . [ ص: 448 ]

        وهو قول المالكية، ورواية عن أحمد، وبه قال ابن حزم، واختاره ابن تيمية، وابن القيم .

        وحجته: قوله تعالى : فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء . فالله سبحانه جعل شهادة امرأتين بدل شهادة رجل، فوجب أن يكون حكمهما حكمه.

        قال ابن القيم: "الحكم بشهادة امرأتين ويمين المدعي في الأموال وحقوقها، وهذا مذهب مالك، وأحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد، حكاه شيخنا واختاره ، وظاهر القرآن والسنة يدل على صحة هذا القول، فإن الله سبحانه أقام المرأتين مقام الرجل ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: "أليس شهادة المرأة نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى" . فهذا يدل بمنطوقه على أن شهادتها وحدها على النصف، وبمفهومه على أن شهادتها مع مثلها كشهادة الرجل، وليس في القرآن ولا في السنة ولا في الإجماع ما يمنع من ذلك، بل القياس الصحيح يقتضيه، فإن المرأتين إذا قامتا مقام الرجل إذا كانتا معه قامتا مقامه، وإن لم تكونا معه فإن قبول شهادتهما لم يكن لمعنى للرجل بل لمعنى فيهما وهو العدالة، وهذا موجود فيما إذا انفردتا، وإنما يخشى من سوء ضبط المرأة وحدها وحفظها ، فقويت بامرأة أخرى".

        وقال شيخ الإسلام رحمه الله : "لو قيل يقبل شهادة امرأة ويمين توجه; لأنهما إنما أقيما مقام رجل في التحمل وكخبر الديانة ". [ ص: 449 ]

        الحال الثانية: أن يكون الوقف على جهة عامة كالفقراء:

        فلا يكتفى فيه بالشاهد واليمين، وكذا لا يكتفى بالمرأتين واليمين; لعدم إمكان اليمين من الجهة العامة، وإن حلف واحد منهم لم يسر حكم يمينه إلى غيره، لكن لو أمكن حلف الجميع بأن وقف على فقراء محلة معينة يمكن حصرهم ثبت الوقف بشاهد وأيمانهم.

        ولو انتقل الوقف إلى من بعدهم لم يمنع ذلك ثبوته بشهادة المعينين، كما لو وقف على زيد ثم الفقراء ثبت بشهادته، وانتقل إلى من بعده بحكم ثبوته الأول ضمنا وتبعا.

        فرع: وأما شهادة أربع نساء على الوقف فينبني على إثبات شهادة النساء في المال منفردات، وللعلماء في ذلك قولان:

        القول الأول : عدم قبول شهادتهن في المال منفردات.

        وهو قول أكثر أهل العلم.

        وحجته : ظاهر الآية السابقة، ولأن شهادة المرأة تعتريها الشبهة، فلم يقبل تفردهن .

        القول الثاني : قبول شهادتهن منفردات.

        وحجته : أن الله سبحانه وتعالى أقام شهادة المرأتين مقام شهادة الرجل . [ ص: 450 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية