المبحث الثالث
الإثبات بالنكول
النكول في اللغة : الامتناع.
يقال : نكل بفتح الكاف ينكل بضمها، ونكل عن اليمين : امتنع منها .
وفي الاصطلاح : امتناع من توجهت إليه اليمين في مجلس القضاء عن الحلف .
وقد اختلف العلماء بالقضاء في النكول، واعتبارها طريقا مثبتا للحق على ثلاثة أقوال:
القول الأول: إذا كان المدعى عليه عالما بالمدعى به دون المدعي قضي عليه بالنكول، وإن كان المدعي هو المنفرد بالعلم بالحال، أو كان مما لا يخفى عليه علمها ردت عليه اليمين، وإن كان كل منهما يدعي العلم أو طلب من المطلوب اليمين على نفي العلم فترد اليمين.
وهذا قول عند الحنابلة اختاره شيخ الإسلام، وابن القيم .
وحجته:
قال ابن القيم: "ولما كانت أفهام الصحابة رضي الله عنهم فوق أفهام جميع الأمة ، وعلمهم بمقاصد نبيهم صلى الله عليه وسلم وقواعد دينه وشرعه أتم من علم كل من جاء بعدهم عدلوا عن ذلك إلى غير هذه المواضع الثلاثة، وحكموا بالرد مع النكول في موضع، والنكول وحده في موضع، وهذا من كمال فهمهم وعلمهم بالجامع والفارق والحكم والمناسبات". [ ص: 472 ]
القول الثاني : أنه يعتبر طريقا مثبتا للحكم.
وبه قال الحنفية ، والحنابلة.
حجته:
1- حديث رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ابن عباس فالنبي صلى الله عليه وسلم حصر اليمين في جانب المدعى عليه فلم تشرع لغيره. "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه"
(303) 2- ما روى رضي الله عنهما : "أنه باع ابن عمر عبدا فادعى عليه زيد بن ثابت زيد أنه باعه إياه عالما بعيبه، فأنكره فتحاكما إلى ابن عمر، فقال عثمان، عثمان : احلف أنك ما علمت به عيبا، فأبي لابن عمر أن يحلف، فرد عليه العبد". ابن عمر
3- ولأن اليمين بينة في المال فحكم فيها بالنكول، كما لو مات من لا وارث له، فوجد الإمام في دفتره دينا له على إنسان، فطالبه به فأنكره وطلب منه اليمين فأنكره، فإنه لا خلاف في أن اليمين لا ترد.
القول الثالث : أن . النكول لا يعتبر طريقا مثبتا للحق، بل لا بد من رد اليمين إلى خصمه
وبه قال المالكية ، والشافعية ، ورواية عند الحنابلة .
وحجته:
(304) 1- ما رواه من طريق الدارقطني محمد بن مسروق، عن عن إسحاق [ ص: 473 ] ابن الفرات، عن الليث بن سعد، عن نافع، رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم : ابن عمر "رد اليمين على طالب الحق".
(305) 2- ما رواه من طريق البيهقي "أن الشعبي: المقداد استقرض من رضي الله عنه سبعة آلاف درهم، فلما تقاضاه قال: إنما هي أربعة آلاف، فخاصمه إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فقال : إني قد أقرضت عمر المقداد سبعة آلاف درهم، فقال المقداد: إنما هي أربعة آلاف، فقال المقداد: أحلفه أنها سبعة آلاف، فقال رضي الله عنه : أنصفك، فأبى أن يحلف، فقال عمر خذ ما أعطاك". عمر:
3- أنه إذا نكل ظهر صدق المدعي، وقوي جانبه، فتشرع اليمين في حقه كالمدعى عليه قبل نكوله، وكالمدعي إذا شهد له شاهد واحد.
والأقرب : القول الأول; لما فيه من التفصيل الذي تجتمع فيه الأدلة . [ ص: 474 ]
[ ص: 475 ] [ ص: 476 ] [ ص: 477 ]