المسألة الثانية ردها:
يكره وإن قلت مع انتفاء مانع القبول. رد الهدية،
(29 ) لما روى من طريق البخاري أبي حازم، عن رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبي هريرة "لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت".
ويتأكد عدم رد الطيب:
(30 ) لما روى من طريق البخاري قال: دخلت عليه فناولني طيبا قال: كان ثمامة بن عبد الله رضي الله عنه لا يرد الطيب، قال: "وزعم أنس رضي الله عنه أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب".
قال "إنما كان لا يرد الطيب من أجل أنه ملازم لمناجاة الملائكة، ولذلك كان لا يأكل الثوم ونحوه". ابن بطال:
ورد ابن حجر هذا: "لو كان هذا هو السبب في ذلك لكان من خصائصه، وليس كذلك، فإن أنسا اقتدى به في ذلك، وقد ورد النهي عن رده مقرونا ببيان الحكمة في ذلك".
فقد روى من طريق مسلم عن عبد الرحمن الأعرج، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي هريرة "من عرض عليه ريحان فلا يرده، فإنه خفيف المحمل طيب الريح".
[ ص: 69 ] وأيضا يتأكد عدم رد: الوسائد، والدهن - أي: الطيب، واللبن:
- فقد روى من طريق الترمذي عبد الله بن مسلم، عن أبيه، عن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن عمر "ثلاث لا ترد: الوسائد، والدهن، واللبن".
لكن إذا ترتب على قبول الهدية مانع جاز ردها، وقد يجب، فترد في مواضع:
أولا: إذا ترتب على قبولها محظور شرعي، كالهدية للعمال والقضاة، ونحو ذلك.
ويدل لذلك:
(31 ) ما رواه من طريق البخاري عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عن عبد الله بن عباس، الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا، وهو بالأبواء، أو بودان، فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه، قال: "إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم".
قال ابن حجر: "وفيه جواز رد الهدية لعلة، وترجم له المصنف - - من رد الهدية لعلة، وفيه الاعتذار عن رد الهدية تطييبا لقلب المهدي. البخاري
ثانيا: أنه يجوز ردها مثل أن يريد أخذها بعقد معاوضة:
(32 ) لما روى من طريق مسلم عن سالم بن أبي الجعد، رضي الله عنه... وفيه: جابر ثم قال لي - رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "بعني جملك هذا" قال: قلت: لا، بل [ ص: 70 ] هو لك. قال: "لا، بل بعنيه".
ثالثا: أو يكون المهدي لا يقنع بالثواب المعتاد; لما في ذلك من المشقة.
رابعا: أو خشية منة المهدي; لما فيه من المشقة.
خامسا: أو تكون الهدية بعد السؤال، واستشراف النفس لها.
لما تقدم من حديث رضي الله عنه، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: عمر "خذه، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك".