الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المبحث الثاني: حكم العمرى

        وفيه مطلبان:

        المطلب الأول: العمرى في العقار

        وصورتها: أن يقول الرجل: أعمرتك داري هذه، أو هي لك عمرى، أو ما عشت، أو مدة حياتك، أو ما حييت، أو نحو هذا.

        اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في حكم العمرى في العقار على قولين:

        القول الأول: أنها جائزة.

        وهو قول جمهور العلماء: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية.

        القول الثاني: أنها لا تصح العمرى.

        وبه قال بعض الفقهاء. [ ص: 12 ]

        الأدلة:

        أدلة الرأي الأول: (جواز العمرى):

        (227) 1- ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سلمة، عن جابر -رضي الله عنه- قال: "قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعمرى أنها لمن وهبت له".

        (228) 2- ما رواه مسلم من طريق أبي الزبير، عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم: "أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها، فإن من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيا وميتا ولعقبه".

        (229) 3- ما رواه مسلم من طريق أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر، وفي حديث أيوب من الزيادة قال: جعل الأنصار يعمرون المهاجرين، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أمسكوا عليكم أموالكم".

        (230) 4- ما رواه مسلم من طريق أبي سلمة، عن جابر -رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أعمر رجلا عمرى له ولعقبه، فقد قطع قوله حقه فيها، وهي لمن أعمر ولعقبه" غير أن يحيى قال في أول حديثه: "أيما رجل أعمر عمرى فهي له ولعقبه".

        فهذه الأحاديث صريحة في صحة العمرى.

        (231) 5- ما رواه الإمام أحمد من طريق حجاج، عن أبي الزبير، عن طاوس، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أعمر عمرى [ ص: 13 ] فهي لمن أعمرها جائزة، ومن أرقب رقبى فهي لمن أرقبها جائزة، ومن وهب هبة ثم عاد فيها فهو كالعائد في قيئه" (مرسل) . [ ص: 14 ]

        6- ما سيأتي أيضا من الأحاديث، وآثار الصحابة -رضي الله عنهم- في المسائل الآتية من صحة العمرى.

        دليل الرأي الثاني: (عدم صحة العمرى):

        حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا ترقبوا ولا تعمروا، فمن أرقب شيئا أو أعمره فهو لورثته".

        وأجيب عنه: قال ابن قدامة: "فأما النهي فإنما ورد على سبيل الإعلام لهم إنكم إن أعمرتم أو أرقبتم يعد للمعمر والمرقب، ولم يعد إليه منكم شيء، وسياق الحديث يدل عليه، فإنه قال: فمن أعمر عمرى، فهي لمن أعمرها حيا وميتا ولعقبه". [ ص: 15 ]

        الترجيح:

        الراجح -والله أعلم- ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من صحة العمرى; لقوة دليله، ومناقشة دليل القول الآخر.

        * * *

        التالي السابق


        الخدمات العلمية