الأمر الثاني: أن هذا الحديث ورد بألفاظ أخرى عن ليس فيها الأمر بالإرجاع، وإنما فيها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يشهد على جور، أو النعمان بن بشير ونحو ذلك. الأمر بالتسوية بين الأولاد،
وأجيب عنه: بأن تلك العبارات تدل أيضا على الإرجاع، واختلاف الألفاظ في هذه القصة الواحدة يرجع إلى معنى واحد.
الأمر الثالث: أن الهبة لم تتم بدليل ما جاء من رواية أن جابر بشير بن سعد أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن بنت فلان سألتني أن أنحل ابني غلاما، وقالت: أشهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أله إخوة؟ قال: نعم. قال: أوكلهم أعطيته؟ قال: لا، قال: فإن هذا لا يصلح؛ فإني لا أشهد إلا على حق".
ففي حديث -رضي الله عنه- أن جابر بشيرا ذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يهب، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأولى، وحديث أولى; لأنه كان كبيرا، وكان جابر صغيرا، والكبير أحفظ وأضبط". النعمان
وأجيب عنه بجوابين:
الأول: أنه لا يسلم أن الحديث يدل على ما ذكر، بل يدل على أنه لم [ ص: 60 ] يأت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بعد أن أعطى ابنه; لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: وقول "أفكلهم أعطيته؟" بشير: وقول "إني نحلت ابني غلاما" سعد: مما يدل على أن الأمر قد وقع، ولو كان لم يعطه لقال "أفكلهم ستعطيه" لأن الأمر ما زال أنفا. "تصدق علي أبي بصدقة"
الثاني: أما كون كان صغيرا النعمان أسن منه، فيرده أن وجابر هو صاحب القصة، وصاحب القصة أعلم بما روي. النعمان
الأمر الرابع: أنه ورد عن -رضي الله عنه- أنه قال: النعمان ثم ذكر الحديث. "نحلني أبي غلاما ثم مشى بي حتى أدخلني على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني نحلت ابني غلاما، فإن أذنت أن أجيزه أجزته"
قال "فدل ما ذكرنا على أنه لم تكن النحلة كملت من حين نحله إياه إلى أن أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- برده". الطحاوي:
ويمكن أن يجاب عنه بما يلي:
الأول: أنه لا يسلم ما أولوا به الحديث، بل قوله: يدل على أن الأمر قد وقع، وقوله: (إني نحلت ابني) لعله قاله لكونه نمى إلى علمه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يجيز هذا النوع من العطايا، وما لا يجيزه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من العقود غير معتبر؛ فلذلك جاء مستفسرا. (فإن أذنت لي أن أجيزه)
الثاني: وعلى فرض صحة تأويل الحديث بما أولوه به، فإن هذا الحديث من رواية أبي اليمان، عن شعيب، عن وهذه الرواية فيها إشكالان: الزهري،
الأول: أنه يحتمل أن يكون مما رواه أبو اليمان عن شعيب بطريق [ ص: 61 ] الكتاب لا بطريق المشافهة، وقد روى عنه أحاديث بطريق الكتاب، وقال فيها: أخبرنا، اعتمادا منه على إجازة شعيب له بالرواية عنه.
الثاني: أن شعيبا خالف الحفاظ الرواة عن عند الزهري البخاري وغيرهما، حيث لم يرووا هذه الرواية، بل الذي رووه هو أن النحلة كانت قد وقعت من ومسلم بشير قبل مجيئه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأمر الخامس: أن لم يكن صغيرا، حيث لم تنقل ذلك الكتب المشاهير، فيحتمل أنه كان صغيرا، ووهب له أبوه، وعلق الهبة على رأي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-ويحتمل أنه كان كبيرا بالغا، ولم يقبض الهبة من أبيه، النعمان والموهوب له إذا لم يقبض الهبة يصح لمن وهبه أن يرجع فيما وهبه له.
وأجيب عنه: بأن كون كان صغيرا لم تنقلها المشاهير غير مسلم به، بل إن أغلب طرق هذا الحديث فيها ما يشير إلى أن النعمان كان صغيرا، ففي صحيح النعمان يقول مسلم في رواية: النعمان (وأنا يومئذ غلام).
وفي رواية أخرى: وكل ذلك يدل على أنه كان صغيرا. (انطلق بي أبي يحملني)
وإذا ثبت أن كان صغيرا وقت النحلة سقط الاحتمال الثاني أنه كان كبيرا، وما بني عليه. [ ص: 62 ] النعمان
الأمر السادس: أن سبب أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- لبشير أن يرد العطية أنه قد أعطى جميع ماله، ولم يترك شيئا لبقية الورثة. النعمان
وأجيب عنه: بأن هذا من أبعد التأويلات; لأن الكثير من روايات هذا الحديث صريحة في البعضية.
وقد مضى بيان ذلك مفصلا في هبة الأب لولده.
الأمر السابع: على فرض أنه كان صغيرا، فيحتمل أن بشيرا فوض ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليهبه له إن كان صوابا، ومعنى "اردده" أي: أمسك مالك، وارجع إلى رحلك.
وأجيب عنه: بأن هذا تكلف يأباه سياق سائر ألفاظ الحديث.