الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        5 - ما ورد عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: "ما بال أحدكم يتصدق على ولده بصدقة لا يحوزها ولا يقسمها، يقول: أنا إن مت كانت له، وإن مات هو [ ص: 69 ] رجعت إلي، وايم الله لا يتصدق منكم رجل على ولده بصدقة لم يحزها ولم يقسمها ثم مات إلا صارت ميراثا لورثته".

        وجه الاستدلال: أن الهبة للولد إذا لم تقبض أو تقسم -إن كانت من مال مشترك- لا تلزم، ومفهوم ذلك: أنها إن قبضت لزمت، ولم يصح الرجوع فيها.

        ونوقش: بالاعتراض الثالث على الأثر الوارد في نحلة أبي بكر لعائشة -رضي الله عنها- إذ إن مقتضاه: أن العطية للولد إذا لم يقبضها حتى مات والده الذي أعطاها له عادت مال وارث، وليس فيه ما يدل على منع الوالد من العودة فيما وهبه لولده.

        ولو قيل: إن مفهومه يدل لذلك لرد بأن المفهوم لا يعارض المنصوص إن كان وحيا، وأحرى إن كان اجتهادا.

        6- ما ورد عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: "من وهب لذي رحم محرم هبة فقبضها، فليس له أن يرجع فيها".

        7- ما ورد أيضا عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: "من وهب لذي رحم محرم هبة فقبضها فليس له أن يرجع فيها، ومن وهب هبة لغير ذي رحم محرم فله أن يرجع فيها ما لم يثب عليها".

        وجه الاستدلال: أنه في كل ذي رحم محرم، والولد ذو رحم محرم، فيدخل فيهما، فيكون قبضه للهبة مانعا للوالد من الرجوع على والده. [ ص: 70 ]

        ونوقش هذا الاستدلال بأمور:

        الأول: أنه معارض للحديث الصريح الصحيح في جواز رجوع الأب فيما وهبه لابنه مطلقا دون تقييد بقبض أو غيره.

        الثاني: أن المراد المحارم غير الأولاد؛ لأن الأولاد ورد فيهما نص خاص في جواز الرجوع في الهبة لهم.

        الثالث: أن لفظ القبض لم يرد في نص الأثر.

        8- ولأنها هبة يحصل بها الأجر من الله تعالى، فلم يجز الرجوع فيها كصدقة التطوع.

        ونوقش من ثلاثة وجوه:

        الوجه الأول: أنه يرده قول النعمان -رضي الله عنه-: "فرجع أبي في صدقته".

        الوجه الثاني: أنه منقوض بهبة الأجنبي، فإن فيها أجرا وثوابا.

        قال تعالى: ولا تنسوا الفضل بينكم وقد رغب النبي -صلى الله عليه وسلم- وندب إليها، وعندهم له الرجوع فيها.

        الوجه الثالث: أنه قياس مع وجود النص، فلا يلتفت إليه.

        9- ولأنه لو وهب بشرط الثواب فأثيب لم يرجع، وهذا قد أثيب من قبل الله تعالى في هبة الرحم، فلم يجز أن يرجع.

        ونوقش: بأن من أثيب بالمال قد وصل إليه البدل، فلم يجز أن يصير [ ص: 71 ] جامعا بينه وبين المبدل، فخالف من لم يصله البدل، على أن ثواب الله تعالى إنما يستحقه غير الراجع من الآباء.

        10- ولأن في الرجوع معنى قطيعة الرحم، وهذا موجود في حق الوالد مع ولده; لأنه بالرجوع يحمله على العقوق، وإنما أمر الوالد أن يحمل ولده على بره.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية