الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المبحث الثامن: الشرط الثامن، انتفاء قصد الإضرار بالوصية من الموصي

        اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في اعتبار انتفاء قصد الإضرار من الموصي على قولين:

        القول الأول: أنه يشترط انتفاء قصد الإضرار، فإن قصد الموصي الإضرار بالورثة، وصرف المال عنهم بغضا لهم لم تنفذ وصيته.

        وبه قال بعض المالكية ، ونصره الشوكاني .

        قال: "وفيه وعيد شديد، وزجر بليغ، وتهديد; لأن مجرد المضارة في الوصية إذا كانت من موجبات النار بعد العبادة الطويلة في السنين المتعددة، فلا شك أنها من أشد الذنوب التي لا يقع في مضيقها إلا من سبقت له الشقاوة، وقراءة أبي هريرة للآية لتأييد معنى الحديث وتقويته; لأن الله سبحانه قد قيد ما شرعه من الوصية بعدم الضرار، فتكون الوصية المشتملة على الضرار مخالفة لما شرعه الله تعالى، وما كان كذلك فهو معصية.

        وقد تقدم قريبا عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا بإسناد صحيح أن وصية الضرار من الكبائر، وذلك مما يؤيد معنى الحديث، فما أحق وصية [ ص: 400 ] الضرار بالإبطال من غير فرق بين الثلث وما دونه وما فوقه، وقد جمعت في ذلك رسالة مشتملة على فوائد لا يستغنى عنها".

        القول الثاني: أنه لا يشترط قصد الإضرار بالورثة متى كانت الوصية بالثلث فأقل.

        وهو ظاهر قول أكثر الفقهاء.

        وفي المعيار المعرب: "ووجوه المضارة كثيرة لا تنحصر، وكلها ممنوعة، يقر بحق وليس عليه حق، ويوصي بأكثر من ثلثه، أو لوارثه، أو بالثلث فرارا عن وارث محتاج، وغير ذلك.

        ومشهور مذهب مالك ، وابن القاسم : أن الموصي لا يعد فعله مضارة ما دام في الثلث.

        وفي المذهب قول: أن المضارة ترد، وإن كانت في الثلث إذا علمت بإقرار أو قرينة".

        الأدلة:

        أدلة القول الأول: (شرط انتفاء قصد الإضرار):

        1 - ما تقدم من الأدلة تحريم الإضرار بالوصية.

        (166) 2 - قال ابن عبد البر : وذكر حماد بن سلمة أيضا عن حميد الطويل أن ثمامة بن عبد الله كتب إلى جابر يسأله عن رجل أوصى بثلثه في غير قرابته، فكتب جابر: "أن أمضه كما قال، وإن أمر بثلثه أن يلقى في البحر"، قال حميد وقال محمد بن سيرين : أما في البحر فلا ولكن يمضى" .

        [ ص: 401 ] 3 - أن الحكمة من مشروعية الوصية التقرب إلى الله عز وجل، ونحو ذلك، كما تقدم بيانه في الباب التمهيدي، وقصد الإضرار ينافي هذه الحكمة.

        دليل القول الثاني: (أنه ليس شرطا):

        استدل لهذا الرأي: بأن الإضرار الممنوع في الوصية هو ما منعه الشارع، مثل الوصية للوارث والوصية بأكثر من الثلث، والإقرار بالدين كذبا، ونحو ذلك، وأما الوصية بالثلث فهي حق للموصي; وإن قصد بذلك مضارة الورثة وصرف المال إلى غيرهم؛ بغضا فيهم.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأنه يمنع انحصار الإضرار بالوصية لوارث أو بأكثر من الثلث، كما لو أوصى بأن يحرق الثوب، أو تهدم الدار، أو يلقى في البحر.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية