الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ومن أصدق من الله قيلا أي: لا أحد أصدق منه قيلا.

                                                                                                                                                                                                                                      ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة، والسدي ، ومسروق: تفاخر المؤمنون وأهل الكتاب; فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونحن أحق بالله منكم، وقال المؤمنون: نبينا خاتم النبيين، وكتابنا يقضي على سائر الكتب; فنزلت الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد ، وابن زيد : عني بذلك أهل الكتاب، وأهل الشرك من عبدة الأوثان; قالوا: لن نبعث، ولن نعذب، وقالت اليهود والنصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ; فأنزل الله : ليس بأمانيكم ; يعني: أهل الشرك، ولا أماني أهل الكتاب ; يعني: اليهود والنصارى، والمعنى: ليس الكائن من أموركم ما تتمنونه، بل من يعمل سوءا يجز به .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: ليس ثواب الله بأمانيكم; إذ قد تقدم والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات ; فاسم (ليس) في جميع هذه الأقوال مضمر فيها، والوقف على (أهل الكتاب) تام.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 355 ] وقوله : من يعمل سوءا يجز به على القول الأول معناه: أن المسلم يجزى بمصائب الدنيا; فيكون له كفارة ، قاله أبي بن كعب، وعائشة، ومجاهد ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن الحسن، وابن زيد : أنه في الكفار خاصة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: واتخذ الله إبراهيم خليلا : قيل لإبراهيم: خليل الله; على معنى: المحتاج إلى الله، كأنه الذي به الاختلال.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معناه: الحب المنقطع إلى الله ، الذي ليس في محبته وانقطاعه اختلال.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معناه: أنه يوالي في الله، ويعادي فيه، وخلة الله ـ تعالى ـ لإبراهيم :

                                                                                                                                                                                                                                      نصرته إياه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: سمي بذلك; لأنه مضى إلى خليل له بمصر، وقيل: بالموصل; ليمتار من عنده طعاما، فلم يجد حاجته، فملأ غرائره رملا، وراح به إلى أهله، فحطه ونام، ففتحه أهله، فوجدوه طعاما، فصنعوا له منه ، فلما قدموه إليه; قال: من أين لكم هذا؟ قالوا: من الذي جئت به من عند خليلك، فقال: نعم، [ ص: 356 ] هو من عند خليلي; فسمي خليل الله بذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      والخلة بين الآدميين: الصداقة، مشتقة من تخلل الأسرار بين المتخالين، وقيل : هي من الخلة; فكل واحد من الخليلين يسد خلة صاحبه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله عقيب هذا: ولله ما في السماوات وما في الأرض معناه: أنه إنما اتخذ إبراهيم خليلا; لحسن طاعته، لا لحاجته إلى مخالته; لأن له ما في السماوات وما في الأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو متعلق بما قبله من الدعاء إلى الله عز وجل، ثم بين أن من له

                                                                                                                                                                                                                                      ما في السماوات وما في الأرض ينبغي أن يرغب في فضله.

                                                                                                                                                                                                                                      ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب : قيل: إن (ما) معطوفة على اسم الله عز وجل، والمعنى: (والقرآن يفتيكم فيهن) ; وهو قوله: فانكحوا ما طاب لكم من النساء في أول السورة ، ويجوز أن تكون (ما) رفعا بالابتداء على هذا التأويل أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 357 ] وأجاز الفراء أن تكون جرا على العطف على الضمير في (فيهن) ; أي: يفتيكم فيهن وفيما يتلى عليكم، وهو قبيح; لأنه عطف ظاهر على مضمر، وتقدم ما روي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ في معنى الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وترغبون أن تنكحوهن أي: في أن تنكحوهن; لمالهن وجمالهن، عن عائشة رضي الله عنها، وعبيدة السلماني، وقيل : المعنى: ترغبون عن أن تنكحوهن; لفقرهن أو قبحهن، عن الحسن، وروي ذلك عن عائشة أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (والمستضعفين) أي: في يتامى النساء، وفي المستضعفين من الولدان; لأنهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان، عن ابن عباس وغيره، فأفتاهم في ذلك بقوله: يوصيكم الله في أولادكم الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية