الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الإعراب:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: جنات عدن يدخلونها : يجوز أن تكون {جنات} تفسيرا لـ عقبى الدار ؛ كأنه قال: لهم جنات عدن؛ أي: لهم دخول جنات عدن؛ لأن عقبى الدار حدث، و جنات عدن عين، والحدث إنما يفسر بحدث مثله، فالمصدر المحذوف مضاف إلى المفعول.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن تكون جنات عدن خبر مبتدأ محذوف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومن صلح من آبائهم : يجوز أن يكون {من} معطوفا على {أولئك} ؛ [ ص: 590 ] المعنى: أولئك ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم لهم عقبى الدار.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون معطوفا على الضمير المرفوع في {يدخلونها}، وحسن العطف لما حال الضمير المنصوب بينهما.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون موضع {من} نصبا؛ على تقدير: يدخلونها مع من صلح.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يحسن أن يحمل ومن صلح من آبائهم على الابتداء؛ لأن الأجود في {يدخلونها} أن تكون صفة لا خبرا، وقد جعله بعض النحويين خبرا؛ فعلى ذلك يصح كون {من} ابتداء، وأنكره أبو علي، وقال: لا يكون {يدخلونها} خبرا؛ لأن جنات عدن نكرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في فنعم عقبى الدار ، و طوبى لهم ، وموضع {طوبى} رفع بالابتداء، أو نصب على تقدير: جعل الله تعالى لهم طوبى، ويعطف عليه وحسن مآب على الوجهين المذكورين، فيرفع، أو ينصب.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في {أفلم يتبين الذين آمنوا}.

                                                                                                                                                                                                                                      وبناء الفعلين في {زين} و {صدوا} للفاعل كبنائهما للمفعول في المعنى؛ [ ص: 591 ] لأنه معلوم أن الله فاعل ذلك في مذهب أهل السنة.

                                                                                                                                                                                                                                      مثل الجنة التي وعد المتقون : ابتداء في قول سيبويه؛ والتقدير: وفيما يتلى عليكم مثل الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: {مثل} بمعنى: (صفة)، والخبر: تجري من تحتها الأنهار ؛ كقولك: (صفة فلان أسمر)، وأنكره أبو علي، وقال: لم يسمع (مثل) بمعنى: (صفة)، وإنما معناه: الشبه، ألا تراه يجري مجراه في مواضعه ومتصرفاته؟ نحو: (مررت برجل مثلك) كقولك: (مررت برجل شبهك) قال: ويفسد أيضا من جهة المعنى؛ لأن (مثلا) إذا كان معناه: (صفة) ؛ كان تقدير الكلام: صفة الجنة فيها أنهار، وذلك غير مستقيم؛ لأن الأنهار في الجنة نفسها لا في صفتها، قال: والدليل على فساد ذلك: أنه إذا حمل (المثل) على معنى: (الصفة)، فأجري في الإخبار عنه مجراها، وأنث الراجع الذي هو {فيها}، و تجري من تحتها الأنهار ؛ [ ص: 592 ] فقد حمل الاسم على المعنى، وأنث، وهذا قبيح ضعيف، يجيء في ضرورة الشعر، ولا يسوغ أن يكون الإخبار عن المضاف إليه؛ لأن المضاف يبقى معلقا مضروبا عن الحديث عنه، ولم يجئ ذلك في كلامهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وأنكر أبو علي أيضا ما قدمناه عن الزجاج من أن التقدير: (مثل الجنة التي وعد المتقون جنة تجري من تحتها الأنهار)، وقال: لا يخلو (المثل) -على قوله- أن يكون الصفة أو الشبه، وفي كلا الوجهين لا يصح ما قاله؛ لأنه إذا كان بمعنى الصفة؛ لم يصح؛ لأنك إذا قلت: (صفة الجنة جنة)، وجعلت (جنة) خبرا؛ لم يستقم ذلك؛ لأن (الجنة) لا تكون الصفة، وكذلك أيضا: (شبه الجنة جنة)، ألا ترى أن (الشبه) عبارة عن المماثلة التي بين المتماثلين، وهو حدث، والجنة غير حدث، فلا يكون الأول الثاني، وتقدم مذهب الفراء في التفسير.

                                                                                                                                                                                                                                      [والقول في {ننقصها}، و {ننقصها}: ظاهر].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: {وسيعلم الكافر}: التوحيد والجمع يرجعان إلى معنى؛ لأنه اسم للجنس.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 593 ] وقوله تعالى: ومن عنده علم الكتاب : من قرأ: {ومن عنده علم الكتاب} ؛ فالمعنى: ومن عنده علمه؛ كما قال: الرحمن علم القرآن [الرحمن: 1]، وكذلك معنى: {ومن عنده علم الكتاب}، و {من} في قراءة من قرأ: {ومن عنده علم الكتاب} متعلقة بمحذوف، و {علم}: مرفوع بالابتداء؛ والتقدير: ومن عنده جاء علم الكتاب، ومن قرأ: {علم الكتاب} ؛ فـ {من} متعلقة بنفس {علم}.

                                                                                                                                                                                                                                      و {من} في قراءة من قرأ: ومن عنده علم الكتاب [في موضع رفع بالعطف على موضع {بالله}، أو في موضع جر على اللفظ، و علم الكتاب : مرتفع بالظرف؛ لأن الظرف إذا جرى صلة رفع الظاهر؛ لقوة شبهه بالفعل؛ كقولك: (مررت بالذي في الدار أخوه).

                                                                                                                                                                                                                                      * * *

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 594 ] هذه السورة مكية في قول ابن عباس، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: هي مدنية سوى آية واحدة منها؛ وهي قوله عز وجل: ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم [31]؛ فإنها نزلت بمكة.

                                                                                                                                                                                                                                      وعددها في المدنيين والمكي: أربع وأربعون آية، وفي الكوفي: ثلاث، وفي البصري: خمس، وفي الشامي: سبع.

                                                                                                                                                                                                                                      اختلف منها في خمس آيات:

                                                                                                                                                                                                                                      لفي خلق جديد [5]: عدها الجماعة سوى الكوفي.

                                                                                                                                                                                                                                      قل هل يستوي الأعمى والبصير [16]: شامي مجرد.

                                                                                                                                                                                                                                      أم هل تستوي الظلمات والنور [16]: عدها الجماعة سوى الكوفي أولئك لهم سوء الحساب [18]: شامي مجرد.

                                                                                                                                                                                                                                      يدخلون عليهم من كل باب [23]: كوفي وبصري وشامي.

                                                                                                                                                                                                                                      * * *

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية