الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وكان الكافر على ربه ظهيرا أي: معينا للشيطان على المعاصي، عن الحسن، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معناه: هينا، من قولهم: [ظهرت به]; إذا لم تلتفت إليه، كأنك جعلته وراء ظهرك، فأصله: [مفعول]، قاله أبو عبيدة.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جريج: المراد بـ: {الكافر} ههنا: أبو جهل.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 33 ] عكرمة: هو إبليس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو اسم للجنس، يراد به كل كافر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا : استثناء منقطع; والمعنى: لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا بإنفاقه من ماله في سبيل الله; فلينفق.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون متصلا، ويقدر حذف مضاف; التقدير: إلا أجر من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا; ومثله: إلا من أمر بصدقة [النساء: 14]; أي: إلا نجوى من أمر بصدقة، وقد تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: الرحمن فاسأل به خبيرا : قال الزجاج: المعنى: فاسأل عنه خبيرا.

                                                                                                                                                                                                                                      وأنكره علي بن سليمان، وقال: إنه مثل قولك: [لو لقيت فلانا; للقيك به الأسد]; [أي: للقيك بلقائك إياه الأسد]; فالمعنى: فاسأل بسؤالك إياه خبيرا، وكذلك قال ابن جبير: [الخبير]: الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قالوا وما الرحمن : قيل: إنهم عنوا بذلك مسيلمة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: تبارك الذي جعل في السماء بروجا : قال مجاهد، وقتادة: يعني:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 34 ] منازل الشمس والقمر.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو صالح: النجوم العظام.

                                                                                                                                                                                                                                      النخعي: قصور في السماء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وجعل فيها سراجا أي: في السماء، وقيل: في البروج.

                                                                                                                                                                                                                                      و[السراج]: الشمس، ومن قرأ {سرجا} ; أراد الشمس وغيرها من النجوم، ثم أعاد ذكر {القمر} ; لفضله على النجوم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة أي: يخلف كل واحد منهما صاحبه، فمن فاته في أحدهما عمل; أدركه في الآخر، قاله ابن عباس، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: المعنى: مختلفان; هذا أسود، وهذا أبيض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن عذابها كان غراما أي: لازما دائما، غير مفارق، ومنه سمي [الغريم]; لملازمته.

                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن كعب: طالبهم الله تعالى بثمن النعم، فلما لم يأتوا به; غرمهم ثمنها بإدخاله إياهم النار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا : قال ابن عباس: [الإسراف]: الإنفاق في معصية الله، قل أو كثر، و[الإقتار]: منع حق الله من المال.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 35 ] وقوله: وكان بين ذلك قواما أي: عدلا.

                                                                                                                                                                                                                                      النخعي: معناه: لا يجيع عياله بالتقتير، ولا يعريهم، ولا يوسع عليهم حتى يقول الناس: قد أسرف.

                                                                                                                                                                                                                                      عون بن عبد الله: [الإسراف]: أن تأكل مال غيرك بغير حق، و[الإقتار]: التقصير فيما يجب عليك.

                                                                                                                                                                                                                                      و[القوام]: النفقة بالعدل والاستقامة، و[القوام]; بالكسر: ما يدوم عليه الأمر ويستقر، وقيل: هما لغتان بمعنى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى قوله: إلا من تاب الآية: قال ابن عباس: نزل هذا في مشركي قريش، ونزل الذي في [النساء] في المؤمنين; يعني: ومن يقتل مؤمنا متعمدا الآية [النساء: 93].

                                                                                                                                                                                                                                      زيد بن ثابت: نزلت التي في [النساء] بعد التي في [الفرقان] بستة أشهر.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: بثماني سنين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن الآية في هذه السورة نزلت في قوم من المشركين أرادوا الدخول في الإسلام، فخافوا ألا ينفعهم ذلك مع ما سلف لهم، يقوي ذلك قوله:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 36 ] إلا من تاب وآمن ، فقرن التوبة بالإيمان.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جبير: نزلت في وحشي قاتل حمزة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هي منسوخة بقوله: إن الله لا يغفر أن يشرك به ، وقد تقدم ذكر ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يلق أثاما ، قال مجاهد: (الأثام) : واد في جهنم.

                                                                                                                                                                                                                                      القتبي: (الأثام) : العقوبة.

                                                                                                                                                                                                                                      والتقدير عند الخليل وسيبويه: يلق جزاء الأثام، ثم بينه بقوله: يضاعف له العذاب يوم القيامة الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات : قال مجاهد: يبدلهم من الشرك الإيمان، وروي نحوه عن الحسن.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج: ليس يجعل مكان السيئة الحسنة، لكن يجعل مكان السيئة التوبة، والحسنة مع التوبة.

                                                                                                                                                                                                                                      وروى أبو ذر عن النبي (صلى الله عليه وسلم): "أن السيئات تبدل بحسنات"، وروي معناه عن سلمان الفارسي، وسعيد بن جبير، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 37 ] وقوله: فإنه يتوب إلى الله متابا أي يرجع إليه رجوعا، فيجازيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والذين لا يشهدون الزور : وقال الضحاك: يعني: الشرك، مجاهد: الكذب، محمد بن علي: شهادة الزور; فالمعنى: لا يشهدون الشهادة الزور.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: {الزور} : كل كذب، وخنا، وسفه; فالمعنى: لا يشهدون كل مشهد يكون فيه ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذا مروا باللغو مروا كراما : قال الحسن: {اللغو} : المعاصي كلها، الضحاك: الشرك، مجاهد: إذا أذوا صفحوا،

                                                                                                                                                                                                                                      وعنه وعن ابن جريج: إذا ذكروا النكاح، كنوا عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى مروا كراما : أكرموا أنفسهم عن الجلوس مع أهله والخوض فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: مروا منكرين له، عن ابن زيد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هي منسوخة; لأنهم أمروا بعد ذلك إذا مروا باللغو - الذي هو الشرك - أن يقاتلوا أهله، وإذا مروا بمعصية أن يغيروها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا أي: لم يتغافلوا عنها ويتركوها حتى يكونوا بمنزلة من لا يسمع، ولا يبصر.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى لم يخروا : لم يقيموا على سماعها وهم بمنزلة الصم والعمي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال: لم يخروا وليس ثم خرور; كما يقال: (قعد يبكي)، وإن كان غير قاعد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: لم يسجدوا صما وعميانا، لكن سجدوا سامعين مبصرين.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 38 ] وقيل: المعنى: إذا أمروا بمعروف، أو نهوا عن منكر; قبلوا ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين : قال الضحاك: معنى قرة أعين : مطيعين لك.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى واجعلنا للمتقين إماما : يقتدى بنا في الخير، ووحد (إماما) ; لأنه مصدر; كـ (القيام) ، وقيل: هو واحد يدل على الجمع، وقيل: هو جمع (آئم) ; كـ (قائم وقيام).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أولئك يجزون الغرفة بما صبروا : (الغرفة) : منزل من منازل الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم : أصل {يعبأ} : من العبء; وهو الثقل، فكأن المعنى: أي وزن لكم عند ربكم

                                                                                                                                                                                                                                      لولا أنه أراد أن يدعوكم إلى طاعته؟

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: لولا دعاؤكم : لولا إيمانكم.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: هو مثل قوله: ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ; والمعنى: ما يفعل بكم ربي لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه؟

                                                                                                                                                                                                                                      القتبي: المعنى: ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم غيره; أي: عبادتكم غيره.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 39 ] وقوله: فقد كذبتم فسوف يكون لزاما : [قال ابن مسعود: يعني: يوم بدر.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج: المعنى: فسوف يكون التكذيب لزاما]; أي: يلزمكم، ولا تعطون التوبة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: التقدير: فسوف يكون عاقبة التكذيب لزاما.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس: أن (اللزام) : الموت.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية