الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد : هو حبل العاتق، وهو محدود من ناحيتي حلقه إلى عاتقه، وهما وريدان عن يمين وشمال، روي معناه عن ابن عباس وغيره، وهو المعروف في اللغة، وهذا تمثيل للقرب؛ يراد به: القدرة على الإنسان، والعلم بسره، وليس على قرب المسافة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد : {قعيد} : بمعنى: قاعد، وقيل: معناه: ثابت، ومنه والقواعد من النساء [النور: 60].

                                                                                                                                                                                                                                      سفيان: بلغني أن كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات، فإذا أذنب العبد؛ قال له: لا تعجل؛ لعله يستغفر الله.

                                                                                                                                                                                                                                      ويروى: أن قلم الملك لسان الإنسان، ومداده ريق الإنسان.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 206 ] والتقدير عند سيبويه: عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، فحذف الأول؛ لدلالة الثاني عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومذهب المبرد: أن الذي في التلاوة للأول، أخر اتساعا، وحذف الثاني لدلالة الأول عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومذهب الأخفش والفراء: أن الذي في التلاوة يؤدي عن الاثنين والجمع، ولا حذف في الكلام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد أي: ما يلفظ بكلام إلا كتب عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وجاءت سكرة الموت بالحق أي: بالحق من أمر الآخرة، وكذلك معنى قراءة من قرأ: {سكرة الحق بالموت} ، ويجوز أن يكون {الحق} على هذه القراءة هو الله تعالى؛ [أي: جاءت سكرة أمر الله تعالى بالموت]، وقيل: {الحق} : هو الموت؛ والمعنى: جاء سكرة الموت بالموت.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى {تحيد} : تروغ وتهرب وقوله: وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد : قال ابن عباس: (السائق) من [ ص: 207 ] الملائكة، و(الشهيد) : من نفسه.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: (السائق والشاهد) : ملكان.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: (السائق) : ملك، و(الشاهد) : الأيدي والأرجل.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن، وقتادة، وغيرهما: المعنى: سائق يسوقها إلى أمر الله عز وجل، وشاهد يشهد عليها بعملها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك قال ابن زيد: المراد بها: النبي عليه الصلاة والسلام، و(الكشف) على هذا في الدنيا، وعن ابن عباس والضحاك: أن المراد بها المشركون، وقال أكثر المفسرين: إن المراد به البر والفاجر، وهو اختيار الطبري.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فبصرك اليوم حديد : قيل: يراد به: بصر القلب؛ كما يقال: هو يصير بالفقه وغيره، وقيل: المراد به: بصر العين؛ والمعنى: حديد إلى الميزان.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: معنى {حديد} : شديد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وقال قرينه هذا ما لدي عتيد : الضحاك: {قرينه} : الملك الذي وكل به؛ والمعنى: هذا ما كتبت عليك عندي حاضر، وقيل: المعنى: هذا ما عندي [ ص: 208 ] من العذاب حاضر، وقيل: {قرينه} : شيطانه، فـ {عتيد} - على هذا القول وعلى القول الذي قبله- بمعنى: معد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد : قيل: إن هذا من قول الله عز وجل يخاطب به الملكين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو مخاطبة للسائق والحافظ.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: جاء على لفظ التثنية؛ لأن أقل أعوان من له حال وشرف اثنان، فخوطبوا على ما عهدوه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: جاء كذلك؛ لأن (القرين) يقع للجماعة والاثنين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو ما جاء عن العرب من مخاطبة الواحد بلفظ التثنية]، ومثله قول الشاعر: [من الطويل]

                                                                                                                                                                                                                                      خليلي مرا بي على أم جندب .....................

                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال:


                                                                                                                                                                                                                                      ألم تر أني كلما جئت طارقا      .....................

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 209 ] المازني: قوله: {ألقيا} : يدل على (ألق، ألق) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن الأصل: (ألقين) ؛ بالنون الخفيفة، وهي تقلب في الوقف ألفا، فحمل الوصل على الوقف.

                                                                                                                                                                                                                                      و(العنيد) و(المعاند) سواء، النخعي: هو المناكب للحق.

                                                                                                                                                                                                                                      مناع للخير : قيل: يعني: الزكاة المفروضة، {معتد} : في الباطل، {مريب} : شاك، وهذا للمشرك؛ يدل عليه قوله: الذي جعل مع الله إلها آخر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قال قرينه ربنا ما أطغيته يعني: أنه تبرأ منه، وأكذبه، وقال: لم أجبره، وإنما دعوته فاستجاب لي، و {قرينه} ههنا: شيطانه، بغير اختلاف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد : هذا خطاب لكل من اختصم، وقيل: هو للاثنين، جاء بلفظ الجمع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ما يبدل القول لدي : قيل: هو قوله: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها [الأنعام: 160]، وقيل: هو قوله: لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [هود: 119].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد : يقول لها: هل امتلأت؟ لأنه قد تقدم وعده ليملأنها، ومعنى السؤال منه عز وجل: التوبيخ لمن في النار.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى قول النار: هل من مزيد مختلف فيه؛ قال مجاهد: المعنى: هل في [ ص: 210 ] من مسلك؟! قد امتلأت؛ كما قال: [من الرجز]

                                                                                                                                                                                                                                      امتلأ الحوض وقال قطني

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: زدني، تقول ذلك تغيظا على أهلها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد أي: قربت من قلوبهم حين قيل لهم: اجتنبوا المعاصي، وادخلوها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ : تقدم القول في (الأواب) .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس في {حفيظ} : حفظ ذنوبه حتى رجع عنها.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في مثل: من خشي الرحمن بالغيب .

                                                                                                                                                                                                                                      وجاء بقلب منيب أي: تائب، راجع إلى الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد : قيل: هو النظر إلى الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فنقبوا في البلاد : قال ابن عباس: أي: أثروا، وقيل: طوفوا في البلاد يلتمسون محيصا من الموت.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب : قال قتادة ومجاهد: من هذه الأمة؛ والمعنى: لمن كان له قلب حي يعقل به، فكنى عن العقل بالقلب؛ لأنه محله.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 211 ] أو ألقى السمع وهو شهيد : قال مجاهد وقتادة: هذا لأهل الكتاب.

                                                                                                                                                                                                                                      قال سفيان: أي: لا يكون حاضرا وقلبه غائب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يوم يناد المناد من مكان قريب : [قال قتادة: من صخرة بيت المقدس، ومعنى] {قريب} : يسمعه كل أحد.

                                                                                                                                                                                                                                      يوم يسمعون الصيحة بالحق يعني: صيحة البعث؛ ومعنى {بالحق} : بالاجتماع إلى الحساب.

                                                                                                                                                                                                                                      ذلك يوم الخروج أي: يوم الخروج من القبور.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما أنت عليهم بجبار : قال مجاهد: بمتجبر، وقيل: بمصيطر، وقيل: المعنى: لست تجبرهم على الطاعة، فتكون الآية منسوخة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية