الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير :

                                                                                                                                                                                                                                      لا أقسم بيوم القيامة : قيل : إن {لا} صلة ، وجاز وقوعها في أول السورة؛ [ ص: 534 ] لأن القرآن متصل بعضه ببعض ، فهو في حكم كلام واحد ، وقيل : هي رد لكلام تقدم في سورة أخرى .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ : لا أقسم ؛ فهو على ما تقدم من دخول اللام على فعل الحال .

                                                                                                                                                                                                                                      و (النفس اللوامة) : المذمومة ، عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : هي التي تلوم صاحبها ندما على ما فات .

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن : هي نفس المؤمن ، تقول لصاحبها : لم أكلت؟ لم فعلت؟ والكافر لا يعاتب نفسه ، يمر قدما قدما في الذنوب .

                                                                                                                                                                                                                                      سعيد بن جبير : المعنى : اللوامة في الخير والشر؛ يعني : قلة صبرها .

                                                                                                                                                                                                                                      وليست {لا} في قوله : ولا أقسم بالنفس اللوامة زائدة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه أي : لا نبعثه .

                                                                                                                                                                                                                                      بلى قادرين أي : بلى لنجمعنها قادرين على أن نسوي بنانه : قال ابن عباس : أن نجعل رجله كخف البعير ، وحافر الدابة ، وقيل : المعنى : نقدر على أن نسوي السلاميات بالبنان ، وقيل : المعنى نعيد بنانه إلى ما كانت؛ يعني : بالبعث .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : بل يريد الإنسان ليفجر أمامه : قال ابن عباس : يعني : الكافر ، يريد ليكفر بيوم الحساب ، ابن جبير : المعنى : يسوف بالتوبة ، يقول : أذنب ، ثم أتوب ، الضحاك :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 535 ] يركب رأسه في طلب الدنيا دائبا ، فالهاء على هذه الأقوال للإنسان ، وقيل : الهاء لـ (يوم القيامة) ؛ والمعنى : بل يريد الإنسان ليكفر بالحق بين يدي يوم القيامة ، و (الفجور) أصله : الميل عن الحق .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : يسأل أيان يوم القيامة أي : متى يوم القيامة؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فإذا برق البصر : قال مجاهد وغيره : هذا عند الموت ، وقال الحسن وغيره : هذا يوم القيامة ، قال : وفيه معنى الجواب عما سأل عنه الإنسان؛ كأنه قال : يوم القيامة إذا برق البصر ، وخسف القمر .

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو عمرو : {برق} بالكسر : تحير .

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء : يفتح عينيه ، فتبرق؛ لشدة ما يعاين من الأموال ، (برق البصر يبرق برقا) ؛ إذا لمع ، وقيل : إن كسر الراء وفتحها لغتان بمعنى .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى وخسف القمر : ذهب ضوءه .

                                                                                                                                                                                                                                      وجمع الشمس والقمر أي : كورا ، عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      عطاء بن يسار : يجمع الشمس والقمر يوم القيامة ، فيرمى بهما في البحر ، فيصير نارا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : جمع بين الشمس والقمر في ذهاب الضوء ، فلم يكن لواحد منهما نور؛ ولذلك قال : {وجمع} ، ولم يقل : (جمعت) ؛ حملا على معنى (بين) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 536 ] وقيل : هو على تغليب المذكر .

                                                                                                                                                                                                                                      الكسائي : هو محمول على المعنى؛ كأنه قال : جمع الضوءان .

                                                                                                                                                                                                                                      المبرد : التأنيث غير حقيقي .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى : أين المفر : أين الفرار؟

                                                                                                                                                                                                                                      {كلا} أي : ليس ثم يومئذ فرار .

                                                                                                                                                                                                                                      لا وزر : قال ابن عباس ، ومجاهد : أي : لا ملجأ ، مطرف : لا جبل ، ابن جبير : لا محيص ، ولا منعة ، و (الوزر) في اللغة : ما يلجأ إليه من حصن ، أو جبل ، أو غيرهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إلى ربك يومئذ المستقر أي : هو يقر خلقه مقرهم يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر : قال ابن عباس : أي : بما قدم من المعصية ، وأخر من الطاعة ، وعنه أيضا : بما قدم قبل موته ، وأخر من سنة يعمل بها من بعده .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد ، والنخعي : ينبأ بأول عمله وآخره .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد : ينبأ بما أخذ ، وما ترك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : بل الإنسان على نفسه بصيرة أي : شاهد ، عن ابن عباس ، وهو شهود جوارحه عليه ، وقيل : يراد به : الكاتبان ، يدل عليه قوله : ولو ألقى معاذيره ، في [ ص: 537 ] من جعل (المعاذير) الستور ، وهو قول السدي .

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج : واحد (المعاذير) : (معذار) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عباس : المعنى : ولو اعتذر؛ فعليه شاهد يكذبه ، وعنه أيضا : ولو تجرد من ثيابه .

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن : المعنى : ولو اعتذر؛ لم تقبل منه معذرته .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لا تحرك به لسانك لتعجل به : قال ابن عباس : كان النبي عليه الصلاة والسلام يلقى من التنزيل شدة ، فيحرك به شفتيه؛ خشية أن ينفلت منه ، فأعلمه الله أن عليه جمعه في صدره .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس أيضا ، وغيره : أنه كان يحرك به لسانه؛ لحبه إياه .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس أيضا : أن المعنى : لا تتكلم بما أوحي إليك حتى يقضى إليك وحيه .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى {وقرآنه} : وأن تقرأه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فإذا قرأناه أي : أنزلناه إليك ، عن ابن عباس ، وعنه أيضا : فإذا [ ص: 538 ] تلي عليك ، فاتبع ما فيه ، وقيل : المعنى : فأنصت ، واستمع .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ثم إن علينا بيانه أي : علينا أن نبينه بلسانك ، وقيل : بيان ما فيه من الحلال والحرام .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن قتادة : أن المعنى : إن علينا جمعه في صدرك ، {وقرآنه} ؛ أي : تأليفه على ما نزل عليك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وجوه يومئذ ناضرة يعني : نضرة النعيم ، وهو إشراقها ، وقال أبو صالح : حسنة ، مجاهد : مسرورة ، الحسن : بهجة ، ابن زيد : ناعمة ، وكله يرجع إلى معنى واحد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إلى ربها ناظرة : هذا تصريح بأن الأبرار يرون الله عز وجل في الآخرة ، وقد تقدم ذلك في (سورة الأنعام) [103] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ووجوه يومئذ باسرة أي : عابسة مقطبة .

                                                                                                                                                                                                                                      تظن أن يفعل بها فاقرة : معنى : {تظن} : توقن ، و (الفاقرة) : الداهية ، عن مجاهد وغيره ، وحقيقتها : التي تكسر فقار الظهر .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد : يعني به : دخول النار .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : كلا إذا بلغت التراقي أي : حقا إذا بلغت النفس التراقي؛ وهو مقدم الحلق من أعلى الصدر ، وهو موضع الحشرجة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 539 ] وقيل من راق : هو من الرقية ، عن ابن عباس ، وقتادة ، وغيرهما؛ والمعنى : من يرقيه؟ وروي عن ابن عباس أيضا ، وأبي الجوزاء : أنه من (رقى يرقى) ؛ إذا صعد؛ والمعنى : من يرقى بروحه إلى السماء؟ أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟

                                                                                                                                                                                                                                      وظن أنه الفراق أي : أيقن الإنسان أنه الفراق؛ أي : فراق الدنيا ، والأهل ، والمال ، والولد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : والتفت الساق بالساق قال ابن عباس [وغيره : يعني : شدة أمر الآخرة بأمر الدنيا ، وكذلك قال الحسن : المعنى : حال الموت بحال الحياة .

                                                                                                                                                                                                                                      الشعبي وغيره] : المعنى : التفت ساقا الإنسان عند الموت من شدة الكرب ، وعن الحسن : التفت ساقاه في الكفن .

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك : اجتمع عليه أمران : الملائكة يجهزون روحه ، والناس يجهزون جسده .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إلى ربك يومئذ المساق أي : إليه يساق الميت .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فلا صدق ولا صلى أي : فلا صدق بربه ، ولا صلى له ، عن قتادة ، وقال الحسن : فلا تصدق ، ولا صلى .

                                                                                                                                                                                                                                      [وقوله : ثم ذهب إلى أهله يتمطى : قال مجاهد ، وقتادة : يتبختر] .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : المراد به : أبو جهل .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 540 ] وقيل : إن {يتمطى} من (المطا) ؛ وهو الظهر؛ والمعنى : يلوي مطاه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : أصله : (يتمطط) ، وهو التمدد من الكسل والتثاقل؛ أي : فهو يتثاقل عن الداعي إلى الحق ، فأبدل من الطاء ياء؛ كراهة التضعيف .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى : قال قتادة : هو وعيد على وعيد ، وقال : أقبل أبو جهل يتبختر ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده ، وقال : أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ، فقال : ما تستطيع أنت ولا ربك في شيئا ، إني لأعز من بين جبليها ، فضرب الله عنقه يوم بدر .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : قال له النبي عليه الصلاة والسلام ذلك قبل أن ينزل به القرآن ، ثم نزل به القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إن المعنى : الذم .

                                                                                                                                                                                                                                      أولى لك : من غيره ، فحذف؛ لكثرة الاستعمال ، وحذف الخبر بعد (أولى) الثانية؛ كما حذف في قولك : (زيد منطلق وعمرو) ، ولا يكون {أولى} (أفعل [ ص: 541 ] منك) ، ويكون خبر مبتدأ محذوف؛ كأنه قال : الوعيد أولى له من غيره؛ لأن أبا زيد قد حكى : (أولاة الآن) ؛ إذا أوعدوا ، فدخول علامة التأنيث دليل على أنه ليس كذلك ، و {لك} : خبر عن {أولى} ، ولم ينصرف {أولى} ؛ لأنه صار علما للوعيد ، فصار كرجل اسمه (أحمد) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : التكرير فيه على معنى : الذم لك على عملك السيئ الأول ، ثم على الثاني ، ثم على الثالث ، وكلما تكرر ذلك منه .

                                                                                                                                                                                                                                      والعرب تقول : (أولى له) ؛ أي : كاد يهلك ، ثم أفلت ، فكأن التقدير : أولى له الهلكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معناه : وليه المكروه والشر .

                                                                                                                                                                                                                                      أيحسب الإنسان أن يترك سدى أي : مهملا لا يؤمر ، ولا ينهى ، عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية