الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2157 [ ص: 287 ] باب منه

                                                                                                                              وهو في النووي في الباب المتقدم.

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 207 ج 8 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عمران بن حصين (رضي الله عنه) ؛ قال: تمتع نبي الله صلى الله عليه وسلم، وتمتعنا معه ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              التمتع : أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ منها، ثم يحج من عامه.

                                                                                                                              وقد أجمع أهل العلم، على جواز الثلاثة. واختلفوا أيها أفضل؟

                                                                                                                              فقال الشافعي ، ومالك ، وكثيرون: أفضلها: الإفراد، ثم التمتع، ثم القران.

                                                                                                                              وقال أحمد ، وآخرون: أفضلها: التمتع.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة ، وآخرون: أفضلها: القران. ولكل وجهة هو موليها. لكن الصحيح المختار: هو أن أفضلها التمتع.

                                                                                                                              [ ص: 288 ] واختلفوا أيضا في حجة النبي -صلى الله عليه وسلم -؛ هل كان مفردا، أم متمتعا، أم قارنا؟

                                                                                                                              وهي ثلاثة أقوال لأهل العلم، بحسب مذاهبهم السابقة.

                                                                                                                              وكل طائفة رجحت نوعا، وادعت: أن حجة النبي -صلى الله عليه وسلم - كانت كذلك.

                                                                                                                              قال النووي : والصحيح: أنه -صلى الله عليه وسلم - كان أولا مفردا، ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك، وأدخلها على الحج، فصار قارنا. انتهى. فإن قيل: كيف وقع الاختلاف بين الصحابة (رضي الله عنهم)؛ في صفة حجته -صلى الله عليه وسلم -، وهي حجة واحدة، وكل واحد منهم يخبر عن مشاهدة في قضية واحدة؟

                                                                                                                              قلت: قال عياض : قد أكثر الناس الكلام على هذه الأحاديث؛ فمن مجيد منصف. ومن مقصر متكلف. ومن مطيل مكثر. ومن مقتصر مختصر.

                                                                                                                              قال: وأوسعهم في ذلك نفسا: أبو جعفر الطحاوي الحنفي. فإنه تكلم في ذلك، زيادة على ألف ورقة.

                                                                                                                              وتكلم معه في ذلك: أبو جعفر الطبري ، ثم أبو عبد الله بن أبي صفرة ، ثم المهلب . والقاضي أبو عبد الله بن المرابط ، والقاضي أبو الحسن بن القصار البغدادي ، والحافظ أبو عمر بن عبد البر ، وغيرهم.

                                                                                                                              [ ص: 289 ] قال عياض : وأولى ما يقال في هذا (على ما فحصناه من كلامهم، واخترناه من اختباراتهم، مما هو أجمع للروايات، وأشبه بمساق الأحاديث): أن النبي -صلى الله عليه وسلم -، أباح للناس فعل هذه الأنواع الثلاثة، ليدل على جواز جميعها. ولو أمر بواحد، لكان غيره يظن أنه لا يجزئ. فأضيف الجميع إليه. وأخبر كل واحد مما أمره به، وأباحه له. ونسبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم -، إما لأمره به، وإما لتأويله عليه، وإما لإحرامه بنفسه. فأخذ بالأفضل، فأحرم مفردا للحج. وبه تظاهرت الروايات الصحيحة.

                                                                                                                              وأما الروايات: (بأنه كان متمتعا) فمعناها: أمر به.

                                                                                                                              وأما الروايات بأنه كان قارنا؛ فإخبار عن حالته الثانية. لا عن ابتداء إحرامه. بل إخبار عن حاله؛ حين أمر أصحابه بالتحلل من حجهم وقلبه إلى عمرة، لمخالفة الجاهلية. إلا من كان معه (هدي). (وكان هو -صلى الله عليه وسلم -، ومن معه هدي، في آخر إحرامهم قارنين.) بمعنى: أنهم أدخلوا العمرة على الحج.

                                                                                                                              وفعل ذلك؛ مواساة لأصحابه، وتأنيسا لهم، في فعلها في أشهر الحج. لكونها كانت منكرة عندهم، في أشهر الحج. ولم يمكنه التحلل معهم بسبب الهدي. واعتذر إليهم بذلك في ترك مواساتهم. فصار -صلى الله عليه وسلم - قارنا في آخر أمره. انتهى.

                                                                                                                              وانظر تمام هذا الكلام في: (شرح النووي رحمه الله تعالى، لصحيح مسلم .)



                                                                                                                              الخدمات العلمية