الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2629 باب في المصة والمصتين

                                                                                                                              وهو في النووي في : (كتاب الرضاع) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 28 ج 10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أم الفضل، قالت: دخل أعرابي على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وهو في بيتي، فقال: يا نبي الله! إني كانت لي امرأة، فتزوجت عليها أخرى، فزعمت امرأتي الأولى: أنها أرضعت امرأتي الحدثى: رضعة أو رضعتين. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحرم الإملاجة والإملاجتان".].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              عن أم الفضل " رضي الله عنها " ; قالت : دخل أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو في بيتي ، فقال : يا نبي الله ! إني كانت لي امرأة ، فتزوجت عليها أخرى . فزعمت امرأتي الأولى : أنها أرضعت امرأتي الحدثى) بضم الحاء وإسكان الدال . أي : الجديدة .

                                                                                                                              [ ص: 471 ] (رضعة أو رضعتين . فقال نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم : "لا تحرم الإملاجة ، ولا الإملاجتان ") بكسر الهمزة والجيم المخففة .

                                                                                                                              وهي : " المصة " . يقال : ملج الصبي أمه " كنصر وسمع " : تناول ثديها بأدنى فمه . وامتلج اللبن : امتصه . وأملجه : أرضعه . والمليج : الرضيع . كذا في القاموس

                                                                                                                              قال في النيل : الإملاجة : الإرضاعة الواحدة . مثل المصة . والأحاديث المذكورة : تدل على أن الرضعة الواحدة ، والرضعتين . والمصة الواحدة ، والمصتين . والإملاجة ، والإملاجتين : لا يثبت بها حكم الرضاع ، الموجب للتحريم .

                                                                                                                              وتدل هذه الأحاديث " بمفهومها " : على أن الثلاث من الرضعات أو المصات : تقتضي التحريم . وقد حكى "صاحب البحر " هذا المذهب:

                                                                                                                              عن زيد بن ثابت ، وأبي ثور، وابن المنذر . انتهى .

                                                                                                                              وحكاه في "البدر التمام ، شرح بلوغ المرام " : عن أبي عبيدة ، وداود الظاهري ، وأحمد في رواية . ولكنه يعارض هذا المفهوم ، القاضي بأن ما فوق الاثنتين ، يقتضي التحريم : ما سيأتي من أن الرضاع المقتضي للتحريم : هو الخمس الرضعات . وسيأتي تحقيق ذلك .

                                                                                                                              [ ص: 472 ] نعم ، هذه الأحاديث دافعة لقول من قال : إن الرضاع المقتضي للتحريم ، هو الواصل إلى الجوف . ولا شك أن المصة الواحدة : تصل إلى الجوف . فكيف ما فوقها ؟ انتهى كلام النيل.

                                                                                                                              قال في السيل : لا يقتضي التحريم : إلا الرضاع من امرأة واحدة ، رضاعا يوجب التحريم . ولا حكم لما لا يكون مجموعه : إلا من اثنتين ، أو ثلاثا أو أكثر . ولا يثبت به حكم الرضاع ; لا للرجل ولا للنساء . فمن يعتبر " خمس رضعات " ، لا بد أن يكون خمسة من امرأة واحدة . فلو رضع من كل واحدة رضعة ، أو رضع الخمس من ثلاث أو اثنتين : لم يكن لذلك حكم . ولا يثبت له رضاع. وهكذا ، لو لم يصل إلى الجوف - عند من يعتبر مجرد الوصول إليه - : إلا لبن امرأتين ، أو أكثر : فإنه لا يثبت بذلك حكم عنده . وإن قال : بأنه يثبت به الحكم : فقد عول على مجرد الرأي الزائف ، والاجتهاد الزائغ . انتهى .

                                                                                                                              قال النووي : واختلف العلماء ، في القدر الذي يثبت به حكم الرضاع.

                                                                                                                              [ ص: 473 ] فقالت عائشة ، والشافعي وأصحابه : لا يثبت بأقل من خمس رضعات .

                                                                                                                              وقال جمهور العلماء : يثبت برضعة واحدة . حكاه ابن المنذر : عن علي ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وعطاء ، وطاوس ، وابن المسيب ، والحسن ، ومكحول ، والزهري ، وقتادة ، والحكم ، وحماد ، ومالك ، والأوزاعي ، والثوري ، وأبي حنيفة . رضي الله عنهم .

                                                                                                                              وقال أبو ثور ، وأبو عبيد ، وابن المنذر ، وداود : يثبت بثلاث رضعات . ولا يثبت بأقل.

                                                                                                                              فأما الشافعي ، وموافقوه : فأخذوا بحديث عائشة : "خمس رضعات معلومات ".

                                                                                                                              وأخذ مالك ، بقوله تعالى : ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ) .

                                                                                                                              ولم يذكر عددا .

                                                                                                                              وأخذ داود ، بمفهوم حديث : " لا تحرم المصة والمصتان " ، وقال:هو مبين للقرآن .

                                                                                                                              واعترض أصحاب الشافعي ، على المالكية ، فقالوا : إنما كانت تحصل الدلالة لكم ، لو كانت الآية : " واللاتي أرضعنكم أمهاتكم".

                                                                                                                              [ ص: 474 ] واعترض أصحاب مالك ، على الشافعية : بأن حديث عائشة هذا

                                                                                                                              :لا يحتج به عندكم ، وعند محققي الأصوليين ، لأن القرآن لا يثبت بخبر الواحد . وإذا لم يثبت قرآنا ، لم يثبت بخبر الواحد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . لأن خبر الواحد ، إذا توجه إليه قادح : يوقف عن العمل به . وهذا إذا لم يجئ إلا بآحاد . مع أن العادة مجيئه متواترا : توجب ريبة .

                                                                                                                              واعترضت الشافعية على المالكية : بحديث " المصة والمصتان ". وأجابوا عنه بأجوبة باطلة ، لا ينبغي ذكرها . لكن ننبه عليها ، خوفا من الاغترار بها .

                                                                                                                              منها : أن بعضهم ادعى : أنها منسوخة . وهذا باطل ، لا يثبت بمجرد الدعوى .

                                                                                                                              ومنها : أن بعضهم زعم : أنه موقوف على عائشة . وهذا خطأ فاحش . بل قد ذكره مسلم وغيره ، من طرق صحاح : مرفوعا ، من روايتها . ومن رواية أم الفضل .

                                                                                                                              ومنها : أن بعضهم زعم : أنه مضطرب. وهذا غلط ظاهر . وجسارة على رد السنن : بمجرد الهوى ، وتوهين صحيحها ، لنصرة المذاهب .

                                                                                                                              وقد جاء في اشتراط العدد : أحاديث كثيرة مشهورة . والصواب اشتراطه.

                                                                                                                              [ ص: 475 ] قال عياض : وقد شذ بعض الناس ، فقال : لا يثبت الرضاع إلا بعشر رضعات . وهذا باطل مردود .

                                                                                                                              هذا آخر كلام النووي . وسيأتي : ما يوضح الحق في الباب ، بتحرير لم يقرع سمعك في كتاب : فانتظره وكن من الشاكرين . ولا تبال بأحد ، ولا بقوله ، في خلاف ما ثبت عن خاتم النبيين ، صلى الله عليه وآله وسلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية