الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4712 (باب منه)

                                                                                                                              وهو في النووي ، في (الباب الذي سبق) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص154 ،155 ج16 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (حدثني زهير بن حرب ، وأبو معن الرقاشي ، (واللفظ لزهير) قالا : حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا عكرمة بن عمار ؛ حدثنا إسحاق بن أبي طلحة ؛ حدثني أنس بن مالك ، قال : كانت عند أم سليم : يتيمة . [ ص: 202 ] -وهي أم أنس- . فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليتيمة ، فقال : "آنت هيه ؟ لقد كبرت ، لا كبر سنك" . فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي . فقالت أم سليم : ما لك ؟ يا بنية !

                                                                                                                              قالت الجارية : دعا علي نبي الله صلى الله عليه وسلم : أن لا يكبر سني . فالآن لا يكبر سني أبدا -أو قالت : قرني- فخرجت أم سليم ، مستعجلة ، تلوث خمارها ، حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما لك يا أم سليم ؟ !" فقالت : يا نبي الله ! أدعوت على يتيمتي ؟ قال : "وما ذاك يا أم سليم ؟ !" . قالت : زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها ، ولا يكبر قرنها . قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم قال : "يا أم سليم ! أما تعلمين أن شرطي على ربي ؛ أني اشترطت على ربي ، فقلت : إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر . وأغضب كما يغضب البشر . فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه ، يوم القيامة"
                                                                                                                              .

                                                                                                                              وقال أبو معن : "يتيمة" بالتصغير ، في المواضع الثلاثة ، من الحديث) .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : كانت عند أم سليم رضي الله عنها ، يتيمة . وهي أم أنس) يعني : "أم سليم" هي أم أنس .

                                                                                                                              [ ص: 203 ] (فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اليتيمة ، فقال : "آنت هيه ؟) بفتح الياء ، وإسكان الهاء . وهي هاء السكت .

                                                                                                                              (لقد كبرت ، لا كبر سنك) . لم يرد به حقيقة الدعاء ، بل هو جار على ما قدمناه ، في ألفاظ هذا الباب .

                                                                                                                              (فرجعت اليتيمة إلى أم سليم ، تبكي . فقالت أم سليم : ما لك يا بنية ؟ ! قالت الجارية : دعا علي نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يكبر سني . فالآن لا يكبر سني أبدا . -أو قالت : قرني-) بفتح القاف . وهو نظيرها في العمر .

                                                                                                                              قال عياض : معناه لا يطول عمرها . لأنه إذا طال عمره ، طال عمر قرنه .

                                                                                                                              قال النووي : وهذا الذي قاله فيه نظر ، لأنه لا يلزم من طول عمر أحد القرنين طول عمر الآخر . فقد يكون سنهما واحدا ، ويموت أحدهما قبل الآخر .

                                                                                                                              (فخرجت أم سليم مستعجلة ، تلوث خمارها) أي : تديره على رأسها .

                                                                                                                              (حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما لك ؟ يا أم سليم ! فقالت : يا نبي الله ! أدعوت على يتيمتي ؟ قال : وما ذاك يا أم سليم ؟ ! فقالت : [ ص: 204 ] زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها -أو لا يكبر قرنها- : قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ثم قال : "يا أم سليم ! أما تعلمين شرطي على ربي ؟ إني اشترطت على ربي ، فقلت : إنما أنا بشر ، أرضى كما يرضى البشر ، وأغضب كما يغضب البشر) .

                                                                                                                              قد يقال : ظاهره أن السب ونحوه ، كان بسبب الغضب .

                                                                                                                              وجوابه : ما ذكره المازري ، قال : يحتمل أنه صلى الله عليه وآله وسلم ، أراد : أن دعاءه ، وسبه ، وجلده ، كان مما يخير فيه بين أمرين ؛ أحدهما : هذا الذي فعله .

                                                                                                                              والثاني : زجره بأمر آخر . فحمله الغضب لله تعالى على أحد الأمرين ، المتخير فيهما . وهو سبه ، أو لعنه وجلده ، ونحو ذلك . وليس ذلك خارجا عن حكم الشرع . والله أعلم .

                                                                                                                              (فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا وزكاة ، وقربة تقربه بها منك يوم القيامة) . سبق شرحه قريبا .

                                                                                                                              [ ص: 205 ] (وقال أبو معن "يتيمة" بالتصغير ، في المواضع الثلاثة ، من الحديث) .

                                                                                                                              وفي حديث آخر ؛ "اللهم ! إني أتخذ عندك عهدا ، لن تخلفنيه -فإنما أنا بشر- ، فأي المؤمنين آذيته : شتمته ، لعنته ، جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة ، وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة" .

                                                                                                                              وهذه الرواية لها ألفاظ وطرق ، كلها تدل على هذا المعنى المراد .




                                                                                                                              الخدمات العلمية