الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              5215 (باب منه)

                                                                                                                              وهو في النووي، في: (باب ذكر ابن صياد).

                                                                                                                              [ ص: 397 ] (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص53-56 ج18، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أخبره؛ أن عبد الله بن عمر أخبره: أن عمر بن الخطاب، انطلق مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في رهط: قبل ابن صياد، حتى وجده يلعب مع الصبيان، عند أطم بني مغالة. وقد قارب ابن صياد يومئذ- الحلم. فلم يشعر، حتى ضرب رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ظهره، بيده.

                                                                                                                              ثم قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لابن صياد: "أتشهد أني رسول الله؟".

                                                                                                                              فنظر إليه ابن صياد، فقال: أشهد أنك رسول الأميين. فقال ابن صياد لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه رسول الله، صلى الله عليه وسلم: وقال: "آمنت بالله، وبرسله".

                                                                                                                              ثم قال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "ماذا ترى؟" قال ابن صياد: يأتيني صادق، وكاذب.

                                                                                                                              فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "خلط عليك الأمر".

                                                                                                                              ثم قال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إني قد خبأت لك خبيئا". فقال ابن صياد: هو الدخ.

                                                                                                                              فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "اخسأ. فلن تعدو قدرك".

                                                                                                                              فقال عمر بن الخطاب: ذرني. يا رسول الله! أضرب عنقه.

                                                                                                                              [ ص: 398 ] فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن يكنه، فلن تسلط عليه. وإن لم يكنه، فلا خير لك في قتله".


                                                                                                                              وقال سالم بن عبد الله: سمعت عبد الله بن عمر يقول: انطلق -بعد ذلك- رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبي بن كعب الأنصاري: إلى النخل التي فيها ابن صياد. حتى إذا دخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم: النخل، طفق يتقي بجذوع النخل. وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا، قبل أن يراه ابن صياد.

                                                                                                                              فرآه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو مضطجع على فراش في قطيفة، له فيها زمزمة.

                                                                                                                              فرأت أم ابن صياد: رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يتقي بجذوع النخل. فقالت لابن صياد: يا صاف! -وهو اسم ابن صياد- هذا محمد. فثار ابن صياد.

                                                                                                                              فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "لو تركته: بين".

                                                                                                                              قال سالم: قال عبد الله بن عمر: فقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الناس. فأثنى على الله: بما هو أهله. ثم ذكر الدجال، فقال: "إني لأنذركموه. ما من نبي، إلا وقد أنذره قومه؛ لقد أنذره نوح قومه.

                                                                                                                              ولكن أقول لكم فيه قولا، لم يقله نبي لقومه. تعلموا: أنه أعور. وأن الله تبارك وتعالى، ليس بأعور"
                                                                                                                              .

                                                                                                                              [ ص: 399 ] قال ابن شهاب: وأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري؛ أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال -يوم حذر الناس الدجال-: "إنه مكتوب بين عينيه: كافر. يقرؤه من كره عمله -أو يقرؤه كل مؤمن-".

                                                                                                                              وقال: "تعلموا: أنه لن يرى أحد منكم ربه، عز وجل، حتى يموت"
                                                                                                                              ).

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب "رضي الله عنهما"، انطلق مع رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، في رهط: قبل ابن صياد، حتى وجده يلعب مع الصبيان، عند أطم بني مغالة) هكذا هو في بعض النسخ.

                                                                                                                              وفي بعضها: "ابن مغالة". والأول هو المشهور.

                                                                                                                              "والمغالة": بفتح الميم، وتخفيف الغين المعجمة.

                                                                                                                              وذكر مسلم في رواية الحسن الحلواني، التي بعد هذه: "أنه "أطم بني معاوية": بضم الميم، وبالعين المهملة.

                                                                                                                              قال أهل العلم: المشهور المعروف: هو الأول.

                                                                                                                              [ ص: 400 ] قال عياض: "وبنو مغالة": كل ما كان على يمينك، إذا وقفت آخر البلاط، مستقبل مسجد رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.

                                                                                                                              "والأطم" بضم الهمزة والطاء. هو "الحصن". جمعه: "آطام".

                                                                                                                              (وقد قارب ابن صياد -يومئذ- الحلم. فلم يشعر، حتى ضرب رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: ظهره. بيده. ثم قال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم لابن صياد: "أتشهد أني رسول الله؟" فنظر إليه ابن صياد، فقال: أشهد أنك رسول الأميين. فقال ابن صياد لرسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: أتشهد أني رسول الله؟) صلى الله عليه وآله وسلم.

                                                                                                                              (فرفضه رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم). هكذا هو في أكثر النسخ "بالضاد المعجمة".

                                                                                                                              وقال: عياض: روايتنا فيه عن الجماعة: "بالصاد المهملة". قال بعضهم: "الرفص" بالصاد: الضرب بالرجل، مثل "الرفس" بالسين.

                                                                                                                              قال : فإن صح هذا، فهو معناه. قال : لكن لم أجد هذه اللفظة في أصول اللغة.

                                                                                                                              قال : ووقع في رواية التميمي: "بضاد معجمة". وهو وهم.

                                                                                                                              [ ص: 401 ] قال : وفي البخاري : "فرقصه" بالقاف، والصاد. ولا وجه له.

                                                                                                                              وفي البخاري، في كتاب الأدب: "فرفضه" بضاد معجمة.

                                                                                                                              قال: ورواه الخطابي، في غريبه: "فرصه" بمهملة. أي: ضغطه، حتى ضم بعضه إلى بعض. ومنه قوله تعالى: بنيان مرصوص

                                                                                                                              قلت: ويجوز أن يكون معنى "رفضه" بالمعجمة: أي ترك سؤاله الإسلام، ليأسه منه، حينئذ. ثم شرع في سؤاله عما يرى. والله أعلم.

                                                                                                                              قال النووي : فإن قيل: كيف لم يقتله النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، مع أنه ادعى بحضرته النبوة؟.

                                                                                                                              فالجواب من وجهين، ذكرهما البيهقي وغيره.

                                                                                                                              أحدهما: أنه كان غير بالغ. واختار القاضي عياض هذا الجواب.

                                                                                                                              والثاني: أنه كان في أيام مهادنة اليهود وحلفائهم. وجزم الخطابي في (معالم السنن) بهذا الجواب الثاني. قال: لأن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، بعد قدومه المدينة: كتب بينه وبين اليهود: كتاب صلح، [ ص: 402 ] على أن لا يهاجروا. ويتركوا على أمرهم. وكان "ابن صياد" منهم، أو دخيلا فيهم. انتهى .

                                                                                                                              (وقال : آمنت بالله وبرسله.

                                                                                                                              ثم قال له رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "ماذا ترى؟".

                                                                                                                              قال ابن صياد: يأتيني صادق، وكاذب. فقال له رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "خلط عليك الأمر".

                                                                                                                              ثم قال له رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: "إني قد خبأت لك خبيا" فقال ابن صياد: هو الدخ. فقال له رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "اخسأ. فلن تعدو قدرك").

                                                                                                                              قال الخطابي: وأما امتحان النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: بما خبأه له، من آية الدخان، فلأنه كان يبلغه: ما يدعيه من الكهانة، ويتعاطاه من الكلام في الغيب. فامتحنه، ليعلم حقيقة حاله، ويظهر إبطال حاله للصحابة. وأنه كاهن ساحر، يأتيه الشيطان: فيلقي على لسانه ما يلقيه الشيطان إلى الكهنة.

                                                                                                                              فامتحنه: بإضمار قول الله تعالى: فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين . [ ص: 403 ] . وقال: "خبأت لك خبيا"، فقال هو الدخ. أي: الدخان. وهي لغة فيه. فقال له النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: "اخسأ.... إلخ" أي: لا تجاوز قدرك، وقدر أمثالك من الكهان، الذين يحفظون من إلقاء الشيطان "كلمة واحدة" من جملة كثيرة. بخلاف الأنبياء، فإنهم يوحي الله تعالى إليهم من علم الغيب: ما يوحي، فيكون واضحا كاملا. وبخلاف ما يلهمه الله الأولياء: من الكرامات.

                                                                                                                              وقوله: "خبأت لك خبيا" هو هكذا في معظم النسخ. وهكذا نقله عياض: عن جمهور رواة مسلم: " خبيا" بباء موحدة مكسورة، ثم ياء .

                                                                                                                              وفي بعض النسخ: "خبأ" بموحدة فقط، ساكنة.

                                                                                                                              قال النووي : وكلاهما صحيح.

                                                                                                                              "والدخ": بضم الدال وتشديد الخاء، وهي لغة في الدخان. وحكى صاحب (نهاية الغريب) فيه: فتح الدال وضمها. والمشهور -في كتب اللغة والحديث-: ضمها فقط. والجمهور، على أن المراد بالدخ هنا: الدخان. وأنها لغة فيه.

                                                                                                                              وخالفهم الخطابي، فقال: لا معنى للدخان هنا، لأنه ليس ما يخبأ [ ص: 404 ] في كف، أو كم، كما قال. بل "الدخ": نبت موجود بين النخيل والبساتين.

                                                                                                                              قال : إلا أن يكون معنى "خبأت": أضمرت لك اسم الدخان، فيجوز.

                                                                                                                              والصحيح المشهور: أنه صلى الله عليه وآله وسلم، أضمر له آية الدخان.

                                                                                                                              قال الداودي: وقيل: كانت "سورة الدخان" مكتوبة في يده، صلى الله عليه وآله وسلم.

                                                                                                                              وقيل: كتب الآية في يده.

                                                                                                                              قال عياض: وأصح الأقوال، أنه لم يهتد من الآية التي أضمر النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: إلا لهذا اللفظ الناقص، على عادة الكهان، إذا ألقى الشيطان إليهم بقدر ما يخطف، قبل أن يدركه الشهاب. ويدل عليه، قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "اخسأ. لن تعدو قدرك". أي: القدر الذي يدرك الكهان، من الاهتداء إلى بعض الشيء. وما لا يبين منه: حقيقته، ولا يصل به إلى بيان وتحقيق أمور الغيب.

                                                                                                                              [ ص: 405 ] ومعنى "اخسأ": اقعد. فلن تعدو قدرك. والله أعلم.

                                                                                                                              انتهى كلام النووي ، رحمه الله.

                                                                                                                              (فقال عمر بن الخطاب: ذرني. يا رسول الله! أضرب عنقه. فقال له رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "إن يكنه، فلن تسلط عليه. وإن لم يكنه، فلا خير لك في قتله".

                                                                                                                              وقال سالم بن عبد الله: سمعت عبد الله بن عمر يقول: انطلق بعد ذلك- رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، وأبي بن كعب : إلى النخل التي فيها ابن صياد. حتى إذا دخل رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: النخل، طفق يتقي بجذوع النخل، وهو يخيل أن يسمع من ابن صياد شيئا).

                                                                                                                              "يختل": بكسر التاء. أي: يخدع ابن صياد، ويستغفله: ليسمع شيئا من كلامه، ويعلم هو والصحابة حاله، في أنه كاهن أم ساحر، ونحوهما.

                                                                                                                              وفيه: كشف أحوال من تخاف مفسدته.

                                                                                                                              وفيه: كشف الإمام الأمور المهمة، بنفسه.

                                                                                                                              (قبل أن يراه ابن صياد.

                                                                                                                              فرآه رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، وهو مضطجع على فراش، في قطيفة، له فيها زمزمة).

                                                                                                                              [ ص: 406 ] "القطيفة": كساء مخمل.

                                                                                                                              وقد وقعت هذه اللفظة، في معظم نسخ مسلم: "زمزمة" بزايين معجمتين.

                                                                                                                              وفي بعضها: برائين مهملتين.

                                                                                                                              ووقع في البخاري: بالوجهين.

                                                                                                                              ونقل عياض عن جمهور رواة مسلم: أنه بالمعجمتين. وأنه في بعضها: "رمزة" براء أولا، وزاي آخرا. وحذف الميم الثانية. وهو صوت خفي، لا يكاد يفهم. أو لا يفهم .

                                                                                                                              (فرأت أم ابن صياد: رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، وهو يتقي بجذوع النخل. فقالت لابن صياد: يا صاف! -وهو اسم ابن صياد- هذا محمد. فثار ابن صياد) أي: نهض من مضجعه، وقام.

                                                                                                                              (فقال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "لو تركته بين".

                                                                                                                              قال سالم: قال عبد الله بن عمر: فقام رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، في الناس. فأثنى على الله: بما هو أهله. ثم ذكر الدجال، فقال: إني لأنذركموه. ما من نبي، إلا قد أنذر قومه. لقد أنذره نوح قومه).

                                                                                                                              هذا الإنذار، لعظم فتنته وشدة أمرها.

                                                                                                                              [ ص: 407 ] (ولكن أقول لكم فيه قولا، لم يقله نبي لقومه. تعلموا أنه أعور).

                                                                                                                              قال النووي : اتفق الرواة على ضبطه: بفتح العين واللام المشددة. وكذا نقله عياض وغيره عنهم.

                                                                                                                              قالوا: ومعناه: اعلموا، وتحققوا. يقال: "تعلم" بفتح مشدد. بمعنى. "اعلم".

                                                                                                                              (وأن الله تبارك وتعالى، ليس بأعور.

                                                                                                                              وقال ابن شهاب: وأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري؛ أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ أن رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ قال -يوم حذر الناس الدجال-: "إنه مكتوب بين عينيه كافر. يقرأه من كره عمله -أو يقرأه كل مؤمن-".

                                                                                                                              وقال: "تعلموا: أنه لن يرى أحد منكم ربه، حتى يموت").


                                                                                                                              قال المازري: هذا الحديث، فيه تنبيه على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة. وهو مذهب أهل الحق.

                                                                                                                              ولو كانت مستحيلة، كما يزعم المعتزلة: لم يكن للتقييد بالموت معنى.

                                                                                                                              والأحاديث بمعنى هذا: كثيرة. قال عياض: ومذهب أهل الحق: أنها غير مستحيلة في الدنيا، بل ممكنة. ثم اختلفوا في وقوعها.

                                                                                                                              [ ص: 408 ] ومن منعه: تمسك بهذا الحديث، مع قوله تعالى: لا تدركه الأبصار على مذهب من تأوله في الدنيا.

                                                                                                                              وكذلك اختلفوا في رؤية النبي، صلى الله عليه وآله وسلم ربه: ليلة الإسراء.

                                                                                                                              وللسلف (من الصحابة، والتابعين ومن بعدهم)، ثم الأئمة الفقهاء، والمحدثين، والنظار -في ذلك-: خلاف معروف.

                                                                                                                              وقال أكثر مانعيها في الدنيا: سبب المنع: ضعف قوى الآدمي -في الدنيا- عن احتمالها. كما لم يحتملها "موسى" عليه السلام، في الدنيا. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية