معنى «حام»
ولا جعل من حام هو الفحل الحامي ظهره عن أن يركب، وينتفع به. وكانوا إذا ركب ولد ولد الفحل، قالوا: حمى ظهره، فلا يركب، وقيل: هو الفحل إذا نتج من صلبه عشرة، قالوا: حمى ظهره، فلا يركب، ولا يمنع من كلأ ولا ماء. وقيل: هو الفحل ينتج من بين أولاده عشر إناث. رواه ابن عطية. وقيل: هو الفحل يولد من صلبه عشرة أبطن. وهو قول ابن عباس، وإليه مال وابن مسعود، أبو عبيدة، وقال والزجاج. إنه الفحل يضرب في مال صاحبه عشر سنين. وقال الشافعي: ابن دريد: هو الفحل ينتج له سبع إناث متواليات، فيحمي ظهره، فيفعل به ما تقدم.
وقد عرفت منشأ خلاف أهل اللغة في هذه الأشياء، وأنه باعتبار اختلاف مذاهب العرب وآرائهم الفاسدة فيها. وبالجملة: كل ما يصدق عليه مسمى هذه، أو واحدة منها على مذهب من مذاهبهم، فهو داخل في حكمها.
وأخرج البخاري، وغيرهما عن ومسلم، قال: «البحيرة: التي يمنع درها للطواغيت، ولا يحلبها أحد من الناس. والسائبة: كانوا يسيبونها لآلهتهم، لا يحمل عليها شيء. والوصيلة: الناقة البكر، تبكر في أول نتاج الإبل [ ص: 112 ] بأنثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى، ليس بينهما ما ذكر، والحامي: فحل الإبل يضرب الضراب المعدود، فإذا قضى ضرابه دعوه للطواغيت، وأعفوه من الحمل، فلم يحمل عليه شيء، وسموه: الحامي. سعيد بن المسيب،
وعن - رضي الله عنها -، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: عائشة عمرا يعني: عمرو بن لحي يجر قصبه - أي: أمعاءه - في النار، وهو أول من سيب السوائب» أخرجه الشيخان. «رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا، ورأيت
ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب [المائدة: 103] وصفهم الله تعالى بأنهم ما قالوا ذلك إلا افتراء على الله وكذبا، لا لشرع شرعه الله لهم، ولا لعقل دلهم عليه. وسبحان الله العظيم! ما أرك عقول هؤلاء وأضعفها! يفعلون هذه الأفاعيل التي هي محض الرقاعة، ونفس الحمق، وهذا شأن علمائهم ورؤسائهم وكبرائهم.
وأكثرهم أي: أراذلهم وعوامهم الذين يتبعونهم من معاصري رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما يشهد به سياق النظم لا يعقلون أن هذا كذب باطل، وافتراء من الرؤساء على الله سبحانه، حتى يخالفوهم، ويهتدوا إلى الحق بأنفسهم، فاستمروا في أشد التقليد. وهذا بيان لقصور عقولهم، وعجزهم عن الاهتداء بأنفسهم.
وإذا قيل لهم [المائدة: 104] أي: لعوامهم المعبر عنهم بالأكثر: تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله وحكمهما. قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ، وهذه أفعال آبائهم وسننهم التي سنوها لهم، وصدق الله سبحانه حيث يقول: أولو كان آباؤهم جهلة ضالين لا يعلمون شيئا ولا يهتدون .
[ ص: 113 ] والمعنى: أن الاقتداء إنما يصح بالعالم المهتدي، الذي يبني قوله على الحجة والبرهان والدليل، وأن آباءهم ما كانوا كذلك. فكيف يصح الاقتداء بهم، وقد صارت هذه المقالة التي قالتها الجاهلية نصب أعين المقلدة، وعصاهم التي يتوكؤون عليها؟
إن دعاهم داعي الحق، وصرخ بهم صارخ الكتاب والسنة، فاحتجاجهم بمن قلدوه، ممن هو مثلهم في التعبد بشرع الله، مخالفة قوله لكتاب الله، أو لسنة رسوله، هو كقول هؤلاء. وليس الفرق إلا في مجرد العبادة اللفظية، لا في المعنى الذي عليه تدور الإفادة والاستفادة. اللهم غفرا. هكذا في تفسير «فتح البيان».
والآية الشريفة دالة على أن هذا الجعل افتراء من الكفار على الله، وأنهم لا يعقلون، وعلى أن الشرك شاع فيهم من قبل التقليد، فكان تقليد الآباء هو الحامل على هذا الافتراء. وفيه: أن آباءهم المقلدين -بفتح اللام- مثلهم في الجهل والضلال. وهذا بخلاف مقلدي المذاهب؛ فإن أهل التقليد للرجال هم الجاهلون المبتدعون الضالون. ومقلدوهم -بفتح اللام- هم الأئمة العالمون المهتدون. والوزر على هؤلاء، لا عليهم؛ لأنهم نهوا عن تقليدهم، وتقليد غيرهم في دين الله المبين، فكانوا سالمين عن الجرح والقدح. وإنما سرى هذا المرض في هؤلاء من تقليد الآباء، الذين كانوا لا يعلمون شيئا، ولا يهتدون سبيلا.
وبالجملة: المقصود من إيراد هذه الآية هاهنا: هو الرد على جاعلي بحيرة، وسائبة، ووصيلة، وحام، ومن قلدهم في مثل هذا الإشراك.
[ ص: 114 ] قال بعض أهل العلم، في معنى هذه الآية: إنه استنبط منها: أن جعل حيوان من الحيوانات على اسم أحد من الكبراء، ووضع علامته عليه، وتعيين بعض الأنعام لبعض، وبعضها لبعض؛ كما يقال: إن هذه البقرة للسيد أحمد، وهذه الدجاجة لزين خان، وهذا الغنم للشيخ سدو، ونحو ذلك، كل هذا من رسوم الجاهلية، وأفعال السفهاء المشركين. وهو خلاف ما حكم الله به عباده من إخلاص توحيد الألوهية له سبحانه. وليس هذا الحكم منحصرا فيما سماه في الآية، بل هي أصول الرسوم المضلة الموقعة في الشرك، نبه بها على ما هو مثلها، أو نحوها من المراسم والمواسم المستحدثة في الدين؛ مما لم يأذن به الله، ولا رسوله، ولا ورد في الشرع المبين، ولا أفتى به أحد من الأئمة المجتهدين المرحومين.