قال الطيبي: اختلفوا في كفر على قولين: من قال: مطرنا بنوء كذا
أحدهما: هو كفر بالله سبحانه، سالب لأصل الإيمان، وفيه وجهان:
*أحدهما: من قال معتقدا بأن الكوكب فاعل، مدبر منشئ للمطر، كزعم أهل الجاهلية، فلا شك في كفره. وهو قول والجماهير. الشافعي،
* وثانيهما: أنه قال معتقدا بأنه من الله تعالى وبفضله، وأن النوء علامة له، فهذا لا يكفر؛ لأنه بقوله هذا، كأنه قال: مطرنا في وقت كذا. والأظهر: أنه مكروه كراهة تنزيه؛ لأنه كلمة موهمة مترددة بين الكفر والإيمان، فيساء الظن بصاحبها، ولأنه شعار الجاهلية.
والقول الثاني: كفران لنعمة الله؛ لاقتصاره على إضافة الغيث إلى الكوكب، انتهى.
«مؤمن بالكوكب» متفق عليه. ذكره صاحب «المشكاة» في باب: الكهانة.
ويؤيده حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أبي هريرة رواه «ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين، ينزل الله الغيث، فيقولون: بكوكب كذا وكذا» مسلم.
قال بعض أهل العلم: إن فهو عند الله من منكري الله تعالى، وداخل في عبدة الكواكب. ومن يؤمن أن ذلك كله من الله، فالله يجعله من عباده المقبولين، ويخرجه عن زمرة العابدين للكواكب. من يؤمن أن مجاري أمور العالم بتأثير الكواكب،
فهذا الحديث دل على أن من وادي الشرك الجلي؛ لأنه يعتقد أن هذه متعلقة بالنجوم، والاعتقاد بها من أفعال عابدي الكواكب. [ ص: 129 ] الإيمان بسعد الساعات وشؤمها، ومراعاة التواريخ للسعادة والنحوسة، والإيقان بقول المنجم، فقد أشرك بالله، وآمن بالكواكب، وصار من المشركين، وخرج عن جماعة الموحدين. فمن قال بتأثير كوكب، وأضاف إليه شيئا من الأحوال الجارية في العالم،
قال في «فتح المجيد» في شرح هذا الحديث: إذا اعتقد أن للنوء تأثيرا في إنزال المطر، فهذا كافر؛ لأنه أشرك في الربوبية، والمشرك كافر. وإن لم يعتقد ذلك، فهو من الشرك الأصغر؛ لكونه نسب نعمة الله إلى غيره سبحانه. ولأن الله لم يجعل النوء سببا لإنزال المطر فيه، وإنما هو فضل من الله ورحمة، يحبسه إذا شاء، وينزله إذا شاء.
قال: ودل الحديث على أنه وهذا حال أهل التوحيد. لا يجوز لأحد أن يضيف أفعال الله إلى غيره، ولو على سبيل المجاز،
قال بعض العلماء: إن كفر، ولهذا قطع بعض أهل العلم بتحريمه، وإن لم يعتقد تأثير النوء في إنزال الأمطار. نسبة النعمة إلى غير الله
وإنما كان من كفر النعمة؛ لعدم نسبتها إلى الذي أنعم بها، ونسبتها إلى غيره؛ كما قال تعالى: يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها [النحل: 83].
قال القرطبي في شرح حديث زيد بن خالد: وكانت العرب إذا طلع نجم من الشرق، وسقط آخر من الغرب، فحدث عند ذلك مطر، أو ريح، فمنهم من ينسبه إلى الطالع، ومنهم من ينسبه إلى الغارب نسبة إيجاد واختراع، ويطلقون على ذلك، القول المذكور في الحديث، فنهى الشارع عن إطلاق ذلك؛ لئلا يعتقد أحد اعتقادهم، ولا يتشبه بهم في نطقهم بذلك. انتهى.
وعن قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أبي سعيد، رواه «لو أمسك الله القطر عن عباده خمس سنين، ثم أرسله، لأصبحت طائفة من الناس كافرين، يقولون: سقينا بنوء المجدح» النسائي.
[ ص: 130 ] «المجدح» -بكسر الميم وسكون الجيم وفتح الدال-: من الأنواء التي لا تكاد تخطى، وهو ثلاثة كواكب كالأثافي.
والمجدح منها: خشبة في رأسها خشبتان معترضتان، يجدح بها السويق؛ أي: يضرب ويخلط.
والمعنى: أنه يقال لهم: أين كان هذا النوء في مدة خمس سنين مثلا؟ هل كان يطلع كل سنة أم لا؟ وهل له تأثير دائما أم لا؟ وبهذا يظهر بطلان قولهم باليقين.
وعن - رضي الله عنهما - قال: ابن عباس فلا أقسم بمواقع النجوم [الواقعة:75] حتى بلغ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون [الواقعة: 82]. الحديث رواه مطر الناس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أصبح من الناس شاكر، ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فنزلت هذه الآية: مسلم.
قال مواقع النجوم: مطالعها ومشارقها، واختاره مجاهد: ابن جرير.
قال ابن كثير في الآية: هذا القرآن منزل من الله رب العالمين، وليس كما يقولون: إنه سحر وكهانة، أو شعر، بل هو الحق الذي لا مرية فيه، وليس وراءه حق نافع، انتهى.
فهذه الآية دليل على رد التنجيم؛ لقوله سبحانه في آخرها: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون [الواقعة: 82] ومعلوم أن المشركين ينسبون رزقهم الذي سببه المطر إلى نوء، ونجم، ولا يعتقدون أن الله هو الرازق. وليس للنوء والنجم والكواكب في ذلك فعل، بل كل من عند الله، فما لهؤلاء المشركين لا يفقهون حديثا؟!
قال في «صحيحه»: قال البخاري خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة [ ص: 131 ] للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به. قتادة:
وفي رواية رزين: وتكلف ما لا يعنيه، وما لا علم له به، وما عجز عن علمه الأنبياء والملائكة.
وعن الربيع بن زياد مثله، وزاد: والله ما جعل الله في نجم حياة أحد ولا رزقه، ولا موته، وإنما يفترون على الله الكذب، ويتعللون بالنجوم.
قلت: ذلك الأثر علقه في «صحيحه»، وأخرجه البخاري عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وغيرهم. وأخرجه وابن المنذر، في «كتاب النجوم» عن الخطيب ولفظه قال: إنما جعل الله هذه النجوم لثلاث خصال: جعلها زينة للسماء، وجعلها يهتدى بها، وجعلها رجوما للشياطين، فمن تعاطى فيها غير ذلك، فقد قال برأيه، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به. قتادة،
وإن ناسا جهلة بأمر الله، قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة، من أعرس بنجم كذا وكذا، كان كذا وكذا، أو من سافر بنجم كذا وكذا، كان كذا وكذا. ولعمري! ما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود، والطويل والقصير، والحسن والدميم، وما علم هذه النجوم، وهذه الدابة، وهذا الطائر بشيء من هذا الغيب؟ ولو أن أحدا علم الغيب، لعلمه آدم - عليه السلام - الذي خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء، انتهى.
فتأمل ما أنكره هذا الإمام مما حدث من هذه المنكرات في عصر التابعين، وما زال الشيء يزداد في كل عصر بعدهم حتى بلغ الغاية في هذه الأعصار، وعمت به البلوى في جميع الأمصار، فمقل منها ومستكثر، وعز في الناس من ينكره. بل منهم من ينصر هذا الاعتقاد الفاسد بنوع من التأويل الكاسد، والتقرير البارد. وعظمت المصيبة في الدين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
[ ص: 132 ] ويدل لما قال -رضي الله عنه- قوله سبحانه: قتادة ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين [الملك: 5]، وقوله تعالى: وعلامات وبالنجم هم يهتدون [النحل: 16].