معنى الغول
وأما الغول الوارد في حديث المتقدم، فهو واحد الغيلان، وهي جنس من الجن والشياطين، كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة يتراءى للناس، فيتغول تغولا؛ أي: يتلون تلونا في صور شتى، ويغولهم: أي: يضلهم عن الطريق، فيهلكهم، فنفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم- وأبطله. جابر
وقيل: نفى اغتياله، لا وجوده، كذا في الطيبي.
قال في «فتح المجيد»: يقال: المنفي ليس وجود الغول، بل ما تزعمه العرب من تصرفه في نفسه، أو يكون المعنى بقوله: «لا غول»: أنها لا تستطيع أن تضل أحدا مع ذكر الله، والتوكل عليه.
ويشهد له الحديث الآخر: ؛ أي: ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل. «لا غول، ولكن السعالي سحرة الجن»
ومنه الحديث: «إذا تغولت الغيلان، فبادروا بالأذان، ادفعوا شرها بذكر الله».
[ ص: 162 ] وهذا يدل على أنه لم يرد بنفيها عدمها.
ومنه حديث أبي أيوب: انتهى. «كان لي تمر في سهوة، فكانت الغول تجيءفتأخذ».
وعن قال: أبي هريرة، رواه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد» تعليقا في «صحيحه» من حديث البخاري سعيد بن مينا بلفظ قال: سمعت يقول قال إلخ. أبا هريرة
قال الشوكاني في «إتحاف المهرة»: ظاهر الأحاديث أنه لا يجوز اعتقاد ثبوت العدوى في شيء من الأشياء، ولا التطير من أمر من الأمور.
ولكنه قد ورد ما يعارض ذلك في الظاهر؛ كحديث عمرو بن الشريد بن السويد الثقفي عن أبيه عند مسلم، والنسائي، قال: وابن ماجه، ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم-: «إنا قد بايعناك، فارجع»، ومن ذلك حديث: كان في وفد وقد تقدم. «لا يورد ممرض على مصح»،
قال قد اختلفت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم- في قصة المجذوم، فثبت عنه الحديثان المذكوران. القاضي عياض:
وعن جابر: رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم- أخذ بيد مجذوم، فوضعها معه في القصعة، وقال: «كل ثقة بالله، وتوكلا عليه» ابن ماجه.
وفي رواية أخرى عنه بلفظ: إلخ. أكل مع مجذوم، وقال له: «كل ثقة بالله تبارك وتعالى-»
وعن قالت: كان لنا مولى مجذوم، فكان يأكل في صحافي، ويشرب في أقداحي، وينام على فراشي. عائشة،
قال بعض أهل العلم في معنى هذا الحديث: يعني: أن فمن شاء أمرضه، ومن شاء عافاه، لا ينبغي لنا أن نجتنب [ ص: 163 ] من الأكل مع مريض، أي مريض كان، ونعتقد أن المرض يعدي من مريض إلى غيره، انتهى. اعتمادنا على الله ،وتوكلنا عليه سبحانه،
قال: وقد ذهب وغيره من السلف إلى الأكل معه، ورأوا أن الأمرباجتنابه منسوخ. عمر
والصحيح الذي قاله الأكثرون، ويتعين المصير إليه: أنه لا نسخ، بل يجب الجمع بين الحديثين، وحمل الأمر باجتنابه والفرار منه على الاستحباب والاحتياط.
وأما الأكل معه، ففعله لبيان الجواز، والله أعلم. كذا في «شرح مسلم» للنووي.
والحديث الذي أشار إليه بأنه صلى الله عليه وسلم- أكل مع المجذوم، أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
قال غريب، لا نعرفه إلا من حديث الترمذي: يوسف بن محمد عن وهذا شيخ مصري، المفضل بن فضالة، والمفضل بن فضالة شيخ بصري، أوثق من هذا وأشهر.
وروى هذا الحديث عن شعبة عن حبيب بن الشهيد، أبي بريدة: أن -رضي الله عنه- أخذ بيد مجذوم. وحديث عمر عنه أشبه عندي وأصح، انتهى. شعبة
قال تفرد به الدارقطني: مفضل البصري أخو مبارك عن عنه - يعني: عن حبيب بن الشهيد، ابن المنكدر - قال ابن عدي الجرجاني: لا أعلم يرويه عن غير حبيب بن الشهيد مفضل بن فضالة. وقالوا: تفرد بالرواية عنه يونس بن محمد، انتهى.
والمفضل بن فضالة البصري، كنيته أبو مالك.
قال يحيى بن معين: ليس بذاك. وقال ليس بالقوي. وقال النسائي: أبو حاتم: يكتب حديثه. وذكره في الثقات. ابن حبان
قال قال بعض العلماء: في هذا الحديث وما في معناه [ ص: 164 ] يعني: حديث الفرار من المجذوم دليل على أنه القاضي عياض: أو حدث به جذام. يثبت للمرأة الخيار في فسخ النكاح إذا وجدت زوجها مجذوما،
قال: وأيضا قالوا: يمنع من المسجد والاختلاط بالناس.
قال: وكذلك اختلفوا في أنهم إذا كثروا، هل يؤمرون أن يتخذوا لأنفسهم موضعا منفردا خارجا عن الناس، ولا يمنعون من التصرف في منافعهم؟ وعليه أكثر الناس، أو لا يلزمهم التنحي؟.
قال: ولم يختلفوا في القليل منهم، يعني: في أنهم لا يمنعون. قال: ولا يمنعون من صلاة الجمع مع الناس، ويمنعون من غيرها.
قال: ولو استضر أهل قرية فيهم جذماء بمخالطتهم في الماء، فإن قدروا على استنباط ماء بلا ضرر، أمروا به، وإلا، استنبط لهم الآخرون، وأقاموا من يسقي لهم، وإلا فلا يمنعون.
وتقدم كلام النووي على حديث: فراجعه. «لا يورد ممرض على مصح»،
وإذا تقرر هذا، فالتوجه على من علم بأن هذا الثوب ونحوه كان لمجذوم، أو من مرضه يشبه مرضه في العدوى: أنه لا يبيعه إلا بعد البيان للمشتري، أو بعد أن يغسله غسلا يزول به الأثر الذي يخشى تعديه إلى الغير، أو التأذي برائحته.
ولا شك أن الذي ثبت النهي عنه في الأحاديث الصحيحة؛ للقطع بأن الغالب من الناس ينفر من السلعة التي يقال: إنها لمجذوم أو نحوه، أشد النفور، ويمتنع من أخذها، ولو بأدون الأثمان. البيع بدون بيان نوع من الغرر
وهذا معلوم، مشاهد، موجود في الطبائع، وخلاف ذلك لا يوجد إلا فيأندر الأحوال، ولا اعتبار بالنادر.
فأي غرر أعظم من هذا؟ وأي خداع أشد منه؟.
وقد تقدم عن عن أكثر الناس: أن المجذومين يتخذون لأنفسهم موضعا منفردا عن الناس. عياض،
[ ص: 165 ] ولا شك أن التضرر بذلك أخف من التضرر بلبس ثيابهم، والأكل والشرب في أوانيهم.
ومن حاول الجمع بين الأحاديث بغير ما ذكرناه، فكلامه أيضا غير مخالف لهذا، فإنه إذا كان الأمر بالفرار من المجذوم لأجل ما يحصل من التأذي برائحته، فثيابه كذلك.
وهكذا إذا كان الأمر بالفرار منه لأجل سد الذريعة، فربما كان عدم البيان ذريعة إلى الاعتقاد، نحو أن يصاب من اشترى ثوب المجذوم ونحوه بمثل عاهته، ثم يعلم بعد ذلك أن الثوب الذي لبسه كان لمجذوم، فإنه ربما كان ذلك سببا لحصول الاعتقاد، انتهى.