حكم التسمية بما فيه تزكية للنفس
أو باسم مضاف إلى غير الله تعالى
فمن سمى ولده باسم فيه تزكية النفس، أو الإضافة إلى غير الله تعالى، فقد جاء بالسيئة، وبعد عن منازل التوحيد.
وقد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم- اسم جماعة من الرجال والنساء أقل وأدون من هذا، كما في حديث قالت: سميت زينب بنت أبي سلمة، برة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: زينب» رواه «لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم، سموها مسلم.
[ ص: 186 ] وهذا يدل على كراهة التسمية بمثل: محيي الدين، وقطب الدين، وفخرالدين، وعظيم الدين، ونحوها؛ لوجود التزكية في ذلك.
وفي حديث قال: ابن عباس، اسمها جويرية برة، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم - اسمها وكان يكره أن يقال: خرج من عند جويرية، برة. رواه كانت مسلم.
أن بنتا يقال لها: ابن عمر: عاصية، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم- جميلة. رواه وعن مسلم.
قال: أتي سهل بن سعد، بالمنذر بن أبي أسيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم- حين ولد، فوضعه على فخذه، فقال: «ما اسمه ؟»، قال: فلان. قال: «لا، لكن اسمه المنذر» متفق عليه. وعن
وعن قالت: عائشة رواه إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يغير الاسم القبيح. الترمذي.
عبد الحميد بن جبير بن شيبة، قال: جلست إلى فيحدثني أن جده قدم على النبي صلى الله عليه وسلم- فقال: «ما اسمك؟» قال: اسمي سعيد بن المسيب، حزن. قال: «بل أنت سهل»، قال: ما أنا بمغير اسما سمانيه أبي. قال فما زالت فينا الحزونة. ابن المسيب: رواه وعن البخاري.
وفي الباب أحاديث دالة على أنه وأرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم- ولا يسميهم بما فيه التزكية، أو القباحة، أو الأشكال، أو ما فيه رائحة الشرك. ينبغي للمسلم أن يسمي أولاده بالأسماء التي هي أحب إلى الله تعالى،
وقد غلا الناس في الأسامي إلى أن جعلوها شركا خالصا، فسموا الأولاد: عبد الحسين، وبغلام فلان.
ومعنى الغلام في عرفهم: العبد، فصاروا بذلك مشركين، وما قدروا الله حق قدره، وكذلك أحدثوا ألقابا دالة على تزكية الملقب بها وتعظيمه، وأفرطوا في هذا ؛ كقولهم: سليمان جاه، ونحوه، وهذا من بدع الألفاظ ومستكرهها.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: رواه «تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله : [ ص: 187 ] عبد الله، وعبد الرحمن، وأصدقها: حارث، وهمام، وأقبحها: حرب ومرة» عن أبو داود، أبي وهب الجشمي.
وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم-، قال: حذيفة رواه «لا تقولوا للمنافق: سيد؛ فإنه إن يك سيدا، فقد أسخطتم ربكم» أبو داود.
ومعناه إن يكن سيدا وجب طاعته، وذلك موجب لسخطه تعالى. وقيل: أراد: إنكم بهذا القول أسخطتم ربكم، فوضع الكون موضع القول.
وقيل: معناه: إن يك سيدا؛ أي: ذا مال وجاه دنيوي، أغضبتم الله ؛ لأنكم عظمتم من لا يستحق التعظيم، وإن [لم] يكن كذلك فقد كذبتم. فافهم، كذا في «اللمعات».
وكما ورد فكذلك ورد النهي عن الأسماء القبيحة، فقد ورد في حديث النهي عن تسمية الشيء بالاسم المزكى؛ مرفوعا: أبي هريرة رواه «لا تسموا العنب الكرم، ولا تقولوا: يا خيبة الدهر، فإن الله هو الدهر» البخاري.
وهذا يدل على منع تسمية الأشياء المحرمة وغيرها بما لا تستحق من التزكية والتمدح والثناء، وهكذا ورد النهي عن التكني بالكنى القبيحة.
عن عن أبيه: أنه لما وفد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع قومه، سمعهم يكنونه شريح بن هانئ بأبي الحكم.
الكنية: ما صدر بأب أو أم، ونحو ذلك. واللقب: ما ليس كذلك ؛ كزين العابدين ونحوه، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم-، فقال: ؛ أي: إنه سبحانه هو الحكم في الدنيا والآخرة. «إن الله هو الحكم»
يحكم بين خلقه في الدنيا بوحيه الذي أنزله على أنبيائه ورسله.
وما من قضية إلا ولله فيها حكم مما أنزل على نبيه من الكتاب والحكمة. وقد يسر الله معرفة أكثر ذلك لأكثر العلماء من هذه الأمة، فإنها لا تجتمع على [ ص: 188 ] ضلالة، فإن العلماء وإن اختلفوا في بعض الأحكام، فلا بد أن يكون المصيب فيهم واحدا .
فمن رزقه الله تعالى قوة الفهم، وأعطاه ملكة يقتدر بها على درك الصواب من أقوال العلماء، يسر له ذلك بفضله ومنه عليه، وإحسانه إليه، فما أجلها من عطية ! نسأل الله من فضله وله الحكم [القصص: 88] أي: في الدنيا والآخرة ؛ كما قال تعالى: وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله [الشورى: 10]، وقال: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول [النساء: 59] الآية.
فالحكم إلى الله: هو الحكم إلى كتابه، والحكم إلى رسوله: هو الحكم إليه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته.
«فلم تكنى أبا الحكم» ؟ قال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء، أتوني ،فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين بحكمي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: «ما أحسن هذا!!».
معناه -والله أعلم -: أن أبا شريح لما عرف منه قومه أنه صاحب إنصاف وتحر للعدل بينهم، ومعرفة ما يرضيهم من الجانبين، صار عندهم مرضيا.
قال في «فتح المجيد»: وهذا هو الأصلح؛ لأن مداره على الرضا، لا على الإلزام، ولا على أحكام الكهان وأهل الكتاب، من اليهود، والنصارى، ولا على الاستناد إلى أوضاع أهل الجاهلية من أحكام كبرائهم وأسلافهم التي تخالف حكم الكتاب والسنة كما قد يقع اليوم كثيرا؛ كحال الطواغيت الذين لا يلتفتون إلى حكم الله، ولا إلى حكم رسوله صلى الله عليه وسلم-، وإنما المعتمد عندهم ما حكموا به بأهوائهم، وقد يلتحق بهذا بعض المقلدة لمن لا يسوغ تقليده، فيعتمد على قول من قلده، ويترك ما هو الصواب الموافق لأصل السنة والكتاب، والله المستعان.
«فما لك من الولد؟» قال: قال: لي شريح، ومسلم، وعبد الله، قال: «فمن أكبرهم ؟»، قال: قلت: شريح. قال: «فأنت أبو شريح» رواه أبو داود والنسائي.
[ ص: 189 ] قال بعض أهل العلم في معنى هذا الحديث: إن فصل المنازعة، ورفع الخصومة، هو شأن الله تعالى في الحقيقة، فإنه يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون : [ السجدة: 25]، وليس ذلك إلى أحد من مخلوقاته، ولا يقدر عليه أحد من دون الله.
فلا ينبغي أن يستعمل لفظا هو يليق بشأن الله تعالى في حق من هو مخلوق له، ومحكوم عليه منه، انتهى.
أي: كقولهم: مالك العالمين، وأقضى القضاة، وأرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، وأبي القضاء والقدر، وأبي الحكم والأمر، وما في معنى ذلك ؛ كالرازق، والرب، والمعبود، والغني المطلق.
وفي الحديث تقديم الأكبر في الكنية وغيرها غالبا، وجاء هذا المعنى في غير حديث. والله أعلم.