قال: ولهما عن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ابن عمر: والمراد بـ«البيان»: البلاغة والفصاحة. قال صعصعة بن صوحان: صدق نبي الله؛ فإن الرجل يكون عليه الحق وهو [ ص: 316 ] ألحن بالحجج من صاحب الحق، فيسحر القوم ببيانه، فيذهب بالحق. «إن من البيان لسحرا».
وقال تأوله طائفة على الذم؛ لأن السحر مذموم. «ابن عبد البر»:
وذهب أكثر أهل العلم، وجماعة من أهل الأدب إلى أن هذا على طريقة المدح؛ لأن الله تعالى مدح البيان.
وقد قال لرجل سأله عن حاجة، فأحسن المسألة، فأعجبه قوله: هذا والله السحر الحلال، انتهى. والأول أصح. عمر بن عبد العزيز
والمراد بالبيان: الذي فيه تمويه على السامع، كما قال الشاعر:
في زخرف القول تزيين لباطله والحق قد يعتريه سوء تعبير
من وادي التشبيه البليغ؛ لكون ذلك يعمل عمل السحر، فيجعل الحق في قالب الباطل، والباطل في قالب الحق، فيستميل به قلوب الجهال، حتى يقبل الباطل، وينكر الحق، نسأل الله الثبات والاستقامة على الهدى. وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن من البيان لسحرا»وأما البيان الذي يوضح الحق ويقرره، ويبطل الباطل ويبينه، فهذا هو الممدوح.
وهكذا حال الرسل وأتباعهم؛ ولهذا علت مراتبهم في الفصائل، وعظمت حسناتهم.
وبالجملة: فالبيان لا يحمد إلا إذا يخرج إلى حد الإسهاب والإطناب وتغطية الحق وتحسين الباطل.
فإذا خرج إلى هذا فهو مذموم، وعلى هذا تدل الأحاديث؛ كحديث الباب، وحديث: رواه «إن الله يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه، كما تخلل البقرة بلسانها» أحمد وأبو داود.
والحاصل: أن كل فصاحة وبلاغة تكون مقررة للحق، فهو السحر الحلال النافع، وكل كلام مزخرف يقرر الباطل والجزاف، فهو السحر المحرم الضار.
ومن الأول كتب أئمة المحدثين، وأهل الأدب من العلماء الموحدين [ ص: 317 ] كتصانيف الشيخين العظيمين: ابن تيمية، وابن القيم، والحافظين الكريمين: ابن حجر، وأمثال هؤلاء من المتأخرين. وابن عبد البر،
ومن الثاني: تأليفات أهل البدعة؛ كالمعتزلة، والشيعة، ونحوهم ممن زخرفوا القول غرورا.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.