معنى الاستقامة
والاستقامة : هي ملازمة الإنسان للصراط السوي . والمراد بها هنا : الدوام والثبات والاعتدال ، من دون زيغ وفتور . قال في «القاموس» : استقام الأمر : اعتدل .
وقال في شرح المحكم» : هي الاستحكام في اتباع الحق على منهج السداد ، بلا إفراط وتفريط .
وفي «قواعد الطريقة» : إنها بعث النفس على أخلاق الكتاب والسنة ، وجعلها مرتبة معتادة بتحصيل الملكات الراسخة لها من الفضائل والفواضل ، وهي مرتبة عظمى ، قل من يصيبها من المسلمين ، ولهذا قيل : الاستقامة فوق الكرامة .
والحديث مقتبس من قوله سبحانه : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا يعني : على امتثال الأوامر ، واجتناب الزواجر ، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
وعن ، قال : طلحة بن عبيد الله . النجد في الأصل : ما ارتفع من الأرض ، وبه سميت الأراضي الواقعة بين تهامة والعراق ، والغور ضده . ثائر الرأس; أي منتشر شعر رأسه . جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد وهو الصوت الذي لا يفهم منه شيء من دوي الذباب والنحل; نسمع دوي صوته; أي : لا نفهمه من جهة البعد; لضعف صوته; ولا نفقه ما يقول; أي : عن فرائضه ، لا عن حقيقته ، ولهذا لم يذكر الشهادتين ، ولكون السائل متصفا به ، فلا حاجة إلى ذكره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو يسأل عن الإسلام;
[ ص: 129 ] فقال : «لا إلا أن تطوع» ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وصيام شهر رمضان» ، فقال : هل علي غيره ؟ قال : «لا ، إلا أن تطوع» ، وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة ، فقال : هل علي غيرها ؟ قال : «لا ، إلا أن تطوع» قال : فأدبر الرجل وهو يقول : والله! لا أزيد على هذا ، ولا أنقص منه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أفلح الرجل إن صدق» طلحة ; أي : في هذا القول والعمل به ، أو في هذه الرغبة ، والاهتمام بشأن الإسلام المفهوم من كلامه . فالفوز والفلاح على هذا المعنى بصدق النية . متفق عليه ، وفي رواية «خمس صلوات في اليوم والليلة» ، فقال : هل علي غيرهن ؟ : للبخاري . لا أتطوع شيئا ، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا
قال في الترجمة : سأل الرجل عن الفرائض ، فذكرها له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكأن الحج لم يكن فرض في ذلك الوقت ، أو لم يكن الرجل من أهله ، وكذلك لم يكن الوتر وجب في ذاك الزمان ، أو الوتر ليس بفرض قطعي ، فلم يذكره لذلك . انتهى .
وأقول : الظاهر أن هذا الحديث غير حديث المتقدم ، وأن الرجل السائل غير الرجل . وفي هذا ذكر التطوع ، وليس ذلك في الأول ، وفي هذا تصريح بكونه من أهل «نجد» ، وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه بالفلاح ، فهذا يدل - بفحوى الخطاب - على أبي هريرة نجد ، وأنهم من مبتغي الإسلام ومتبعيه . فضيلة أهل
وفيه : بيان ، والدخول في الجنة ذات الأنهار . كفاية الاستقامة على الفرائض; للنجاة من النار
وعن - رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحوله عصابة من أصحابه; أي : جماعة ، وهي من عشر إلى أربعين : عبادة بن الصامت عرف في الشرع الشريف حسنه أو قبحه . «بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوا في معروف
قال في الترجمة : أصل المبايعة من البيع ، كأن من يعهد مع أحد ، يبيع ذاته [ ص: 130 ] بيده; كما يضربون اليد على اليد عند البيع ، وقد جرت العادة بهذا في المعاهدة أيضا .
والمراد بالإشراك هنا : عبادة الأصنام ، أو الرياء في العمل . انتهى .
وأقول : لا وجه لهذا الحصر; فإن اللفظ أوسع من ذلك ، وقد تقدم أن ، بل في كل شيء . وهو أخفى من دبيب النمل ، والحديث دليل على سنية هذه البيعة ، ولها أنواع ، فمن أنكرها ، فقد أبعد النجعة ، وكأنه لم يقف على دواوين السنة المطهرة ، بل ولا على القرآن الكريم ، مع سهولة تناوله وعموم تلاوته في كل مكتب ومدرسة . الشرك يكون في العبادة والعادة لاستقامته على ما بايع عليه ، «فمن وفى منكم ، فأجره على الله» ; أي : السرقة ، والزنا ، وقتل الأولاد خشية الإملاق ، والبهتان المفترى ، والعصيان في المعروف ، باقتراح المنكر ، لا الشرك ، «ومن أصاب من ذلك شيئا» ; أي : سبب لمحو الحوبة وعفوها ، ولا عذاب عليه بعد ذلك في الآخرة . «فعوقب به في الدنيا» ، فهو; أي : العقاب «كفارة له»
. وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة . وقالت ومن أصاب من ذلك شيئا ، ثم ستره الله عليه ، فهو إلى الله ، إن شاء عفا عنه ، وإن شاء عاقبه» المعتزلة بوجوب العقاب على العاصي ، وعدم العفو عنه ، وهذا الخبر يرد عليهم ، والمرجو من الله سبحانه أنه يستر في الآخرة على من ستر عليه في الدنيا; لأن رحمته سابقة على غضبه ، ولم يستره في الدنيا إلا شاء أن يستره في الآخرة ، اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا . فبايعناه على ذلك . متفق عليه .
وفي الحديث دلالة على أن طلب المبايعة من الأصحاب سنة ، وكذلك بيعتهم على ذلك سنة ، والوفاء بها واجب ، ونقضها عمدا معصية ، والتقصير في الوفاء بها من غير إرادة مرجو العفو على التفصيل المذكور . والله أعلم .
[ ص: 131 ]