رجوع إلى تقرير العقيدة في القضاء والقدر وذكر بقية الأدلة على ذلك
قال بعض أهل العلم : أما قولكم : هل سبق الكتاب من الله في المعاصي أنها ستقع ؟
فنقول : نعم سبق بذلك الكتاب ، وجرى بذلك القلم ، وعلم سبحانه من خلقه ما هم عاملون قبل أن يعملوه ، وتواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في «الصحيحين» ، و «السنن» ، و «المسانيد» ، وغيرها ، ودل عليه أيضا الكتاب ، قال تعالى : إنا كل شيء خلقناه بقدر وخلق كل شيء فقدره تقديرا وهذا يعم الجواهر والأعراض والهيئات كلها .
وهذا الأصل هو أحد أصول الإيمان التي في حديث جبريل - عليه السلام - وهو مجمع عليه عند أهل السنة والجماعة .
[ ص: 200 ] ولا يخالف ذلك إلا مجوس هذه الأمة القدرية ، فأنكروا أن يكون الله قدر أفعال العباد ، أو شاء وقوعها منهم .
وزعموا أن الأمر «أنف» ; أي : مستأنف ، وزعموا أن الله لا يهدي من يشاء ، ولا يضل من يشاء ، وإنما ذلك إلى العباد .
وقد خرجوا في آخر زمن الصحابة ، فتبرؤوا منهم ، وتبرأ منهم ابن عمر ، لما ذكروا له مذهبهم ، وكذلك غيره من الصحابة ، والقصة بذلك مشهورة في «صحيح . وممن قال هذا القول مسلم» معبد الجهني بالبصرة .
والله سبحانه يخلق ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، لا يسأل عما يفعل ، ولا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه ، وهو الحكم العدل ، المنزه عن الظلم والفحشاء ، كما قال : ولا يظلم ربك أحدا [الكهف : 49] وقال في أهل النار : وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين [الزخرف : 76] ، وقال : ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما [طه : 122] .
وفي حديث ، أبي ذر وعمران بن حصين ، عند ، جواب على هذا السؤال بعينه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بما شفى وكفى . انتهى . والحديثان قد تقدما . مسلم
قال : وأجمع أئمة السلف من أهل الإسلام على ، وأن حلوه ومره ، قليله وكثيره ، بقضاء الله وقدره ، لا يكون ذلك إلا بإرادته ومشيئته ، خلق من شاء للسعادة واستعمله بها فضلا ، وخلق من أراد للشقاوة واستعمله بها عدلا . الإيمان بالقدر خيره ، وشره
فهو سر استأثر الله به ، وعلم حجبه عن خلقه ، قال تعالى : ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس [الأعراف : 179] الآية ، وقال : ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [السجدة : 13] .
وفي السنة المطهرة من الأدلة ما لو استقصيناه ، لأدى إلى الطول . انتهى .