بيان فضيلة المحدثين وحكم رواية الحديث بالمعنى
وعن ابن مسعود، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي: بلغها الناس، كما كان سمعها بعينها مع الأمانة والصدق والضبط «فرب حامل فقه» أي: علم «غير فقيه» أي: لا يفهمه حق الفهم «ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» فيجب أن يبلغ الحديث بعينه حتى يفهمه الذي بلغ إليه. «نضر الله عبدا سمع مقالتي، فحفظها ووعاها وأداها»
قال في الترجمة: والمختار جوازه من عارف بموارد كلماته، وخواص تراكيب عباراته، وحاذق بمعرفة مقتضيات المقام والأسرار والنكات والإشارات. الحديث يدل على نقل الحديث بلفظه، وفي النقل بالمعنى خلاف للعلماء،
ومع ذلك: النقل باللفظ أولى وأحوط، كما يشير إلى هذا قوله: «نضر الله» ولا كلام في وقوع النقل بالمعنى؛ لأنا نرى كتب الأحاديث من الكتب الستة وغيرها أنها اتفقت على حديث واحد، وألفاظه مختلفة. انتهى.
رواه الشافعي، في «المدخل» ورواه والبيهقي أحمد، والترمذي، وأبو داود وابن ماجه، عن والدارمي زيد بن ثابت.
[ ص: 235 ] الحديث وليس فيه أن حامليه كلهم غير فقهاء، والمحمول إليهم كلهم فقهاء. دليل على فضل أئمة الحديث وفرسان ميدانه على آحاد الرواة له، وأنهم أعرف منهم بمعناه وفهم مبناه،
والمراد بالفقه هنا: هو الفهم والتدبر في معاني كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ويدل له حديث آخر عنه -رضي الله عنه- مرفوعا: رواه «نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى له من سامع» الترمذي، ورواه وابن ماجه، عن الدارمي أبي الدرداء.
قال في الترجمة: قالوا: لو لم يكن في طلب الحديث وحفظه وتبليغه فائدة إلا رجاء بركة هذا الدعاء من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكان كافيا في الدنيا والآخرة. اللهم ارزقنا.
قال: ومآل معنى هذا الحديث: مضمون الحديث السابق، مع قليل التفاوت في بعض الألفاظ. انتهى.
أقول: الحديث يدل على وكم من فضائل لهذا القوم ذكرها جماعة من أولي العلم! فضل الرواة، وفضل المروي لهم، وهم أهل الحديث النبوي، وأصحاب الخبر المصطفوي.
منها: ما هو مذكور في «الحطة بذكر الصحاح الستة» ومنها: ما هو مرقوم في «سلسلة العسجد من ذكر مشايخ السند».
ولا أفضل في الواقع ونفس الأمر وفي الحقيقة ممن فضله الله أو رسوله -صلى الله عليه وسلم- على غيره.
وقد قال المفسرون في قوله تعالى: أو أثارة من علم [الأحقاف: 4]: هي إسناد الحديث.
وقد ذكر الله في كتابه في مواضع: «الحكمة» والمراد بها: السنة، فثبت [ ص: 236 ] فضل هذا العلم الشريف، وفضل أهله على غيره وغيرهم من الكتاب والسنة، وكفى بذلك شرفا.