وأما فكلهم كره ذلك، ونهى عنه، وذلك أنهم علموا ما قصده النبي -صلى الله عليه وسلم- من حسم مادة الشرك، وتحقيق التوحيد، وإخلاص الدين لله رب العالمين. التمسح بقبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقبيله،
وهذا ما يظهر به الفرق بين سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- والرجل الصالح في حياته، وبين سؤاله بعد موته وفي مغيبه؛ وذلك أنه في حياته لا يعبده أحد بحضوره.
[ ص: 18 ] فإذا كان الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- والصالحون أحياء، لا يتركون أحدا يشرك بهم بحضورهم، بل ينهونهم عن ذلك، ويعاقبونهم عليه.
ولهذا قال المسيح -عليه السلام-: ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد .
وقال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ما شاء الله وشئت، فقال: "أجعلتني لله ندا؟ قل: ما شاء الله وحده".
وقال: محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء محمد". "لا تقولوا: ما شاء الله وشاء
وفينا رسول الله يعلم ما في غد
قال: دعي هذا، وقولي بالذي كنت تقولين". ولما قالت الجويرية:
وقال: ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله". "لا تطروني كما أطرت النصارى
ولما صلوا خلفه قياما، قال: "لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضهم بعضا". وقال لم يكن شيء أحب إليهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له; لما يعلمون من كراهته لذلك. أنس:
ولما سجد له نهاه، وقال: معاذ، إنه لا يصلح السجود إلا لله، ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها; من عظم حقه عليها".
ولما أتي بالزنادقة الذين غلوا فيه، واعتقدوا فيه الإلهية، أمر بتحريقهم بالنار. علي
فهذا شأن أنبياء الله وأوليائه، وإنما يقر على الغلو فيه وتعظيمه بغير حق من [ ص: 19 ] يريد علوا في الأرض وفسادا; كفرعون ونحوه، ومشايخ الضلال الذين غرضهم العلو في الأرض والفساد.
والفتنة بالأنبياء والصالحين، واتخاذهم أربابا، والإشراك بهم، مما يحصل في مغيبهم، وفي مماتهم، كما أشرك بالمسيح وعزير.
فهذا مما بين الفرق بين سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- والصالح في حياته وحضوره، وبين سؤاله في مماته ومغيبه.