[ ص: 11 ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أرسل رسله بالبينات ، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ، وأنزل الحديد فيه بأس شديد ، ومنافع للناس ، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ، إن الله قوي عزيز ، وختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، الذي أرسله بالهدى ودين الحق ، ليظهره على الدين كله ، وأيده بالسلطان النصير ، الجامع معنى العلم والقلم للهداية والحجة ، ومعنى القدرة والسيف للنصرة والتعزير ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة خالصة خلاص الذهب الإبريز ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا ، وشهادة يكون صاحبها في حرز حريز .
( أما بعد ) فهذه رسالة مختصرة ، فيها جوامع من السياسة الإلهية والإنابة النبوية ، لا يستغني عنها الراعي والرعية ، اقتضاها من أوجب الله نصحه من ولاة الأمور ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما ثبت عنه من غير وجه : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11183إن الله يرضى لكم ثلاثة : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم }
[ ص: 12 ] موضوع الرسالة ( وهذه ) وهذه رسالة مبنية على
nindex.php?page=treesubj&link=7701_7671آية الأمراء في كتاب الله ، وهي قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا . يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا }
( قال العلماء ) نزلت الآية الأولى في
nindex.php?page=treesubj&link=7686_20094_7671_25876ولاة الأمور ، عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل ، ونزلت الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم ، عليهم أن يطيعوا أولي الأمر
[ ص: 13 ] الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك ، إلا أن يأمروا بمعصية الله ، فإن أمروا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . وإن لم تفعل ولاة الأمر ذلك ، أطيعوا فيما يأمرون به من طاعة الله ، لأن ذلك من طاعة الله ورسوله ، وأديت حقوقهم إليهم كما أمر الله ورسوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها ، والحكم بالعدل . فهذان جماع السياسة العادلة ، والولاية .
[ ص: 11 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ رُسُلَهُ بِالْبَيِّنَاتِ ، وَأَنْزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ، وَأَنْزَلَ الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ، وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ، إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ، وَخَتَمَهُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الَّذِي أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ، لِيَظْهَرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ، وَأَيَّدَهُ بِالسُّلْطَانِ النَّصِيرِ ، الْجَامِعِ مَعْنَى الْعِلْمِ وَالْقَلَمِ لِلْهِدَايَةِ وَالْحُجَّةِ ، وَمَعْنَى الْقُدْرَةِ وَالسَّيْفِ لِلنُّصْرَةِ وَالتَّعْزِيرِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، شَهَادَةً خَالِصَةً خَلَاصَ الذَّهَبِ الْإِبْرِيزِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا ، وَشَهَادَةً يَكُونُ صَاحِبُهَا فِي حِرْزٍ حَرِيزٍ .
( أَمَّا بَعْدُ ) فَهَذِهِ رِسَالَةٌ مُخْتَصَرَةٌ ، فِيهَا جَوَامِعُ مِنْ السِّيَاسَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْإِنَابَةِ النَّبَوِيَّةِ ، لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةُ ، اقْتَضَاهَا مَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ نُصْحَهُ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11183إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثَةً : أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ، وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ }
[ ص: 12 ] مَوْضُوعُ الرِّسَالَةِ ( وَهَذِهِ ) وَهَذِهِ رِسَالَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=7701_7671آيَةِ الْأُمَرَاءِ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا . يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ، فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ، إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }
( قَالَ الْعُلَمَاءُ ) نَزَلَتْ الْآيَةُ الْأُولَى فِي
nindex.php?page=treesubj&link=7686_20094_7671_25876وُلَاةِ الْأُمُورِ ، عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا ، وَإِذَا حَكَمُوا بَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ، وَنَزَلَتْ الثَّانِيَةُ فِي الرَّعِيَّةِ مِنْ الْجُيُوشِ وَغَيْرِهِمْ ، عَلَيْهِمْ أَنْ يُطِيعُوا أُولِي الْأَمْرِ
[ ص: 13 ] الْفَاعِلِينَ لِذَلِكَ فِي قَسْمِهِمْ وَحُكْمِهِمْ وَمَغَازِيهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، إلَّا أَنْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ ، فَإِنْ أَمَرُوا بِمَعْصِيَةٍ فَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ ، فَإِنْ تَنَازَعُوا فِي شَيْءٍ رَدُّوهُ إلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ وُلَاةُ الْأَمْرِ ذَلِكَ ، أُطِيعُوا فِيمَا يَأْمُرُونَ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَأُدِّيَتْ حُقُوقُهُمْ إلَيْهِمْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } وَإِذَا كَانَتْ الْآيَةُ قَدْ أَوْجَبَتْ أَدَاءَ الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا ، وَالْحُكْمَ بِالْعَدْلِ . فَهَذَانِ جِمَاعُ السِّيَاسَةِ الْعَادِلَةِ ، وَالْوِلَايَةِ .