الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية

        ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

        وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ، ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين ، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة ، كالنساء والصبيان ، والراهب والشيخ الكبير ، والأعمى والزمن ونحوهم فلا يقتل عند جمهور العلماء ، إلا أن يقاتل بقوله أو فعله ، وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع ، لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان [ ص: 166 ] لكونهم مالا للمسلمين ، والأول هو الصواب ، لأن القتال هو لمن يقاتلنا ، إذا أردنا إظهار دين الله ، كما قال الله تعالى : { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ، إن الله لا يحب المعتدين } .

        وفي السنن : عنه صلى الله عليه وسلم { أنه مر على امرأة مقتولة في بعض مغازيه ، قد وقف عليها الناس . فقال : ما كانت هذه لتقاتل . وقال لأحدهم : الحق خالدا فقل له : لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا } .

        وفيهما أيضا عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : { لا تقتلوا شيخا فانيا ولا صغيرا ولا امرأة } [ ص: 167 ] وذلك أن الله تعالى أباح من قتل النفوس ، ما يحتاج إليه في صلاح الخلق ، كما قال تعالى : { والفتنة أكبر من القتل } .

        أي أن القتل ، وإن كان فيه شر وفساد ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكبر منه ، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم تكن مضرة كفره إلا على نفسه ، ولهذا قال الفقهاء " إن الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة ، يعاقب بما لا يعاقب به الساكت " .

        وجاء في الحديث : { أن الخطيئة إذا أخفيت ، لم تضر إلا صاحبها ، ولكن إذا ظهرت فلم تنكر ضرت العامة } .

        ولهذا أوجبت الشريعة قتل الكفار ، ولم توجب قتل المقدور عليهم منهم بل إذا أسر الرجل منهم في القتال ، أو غير القتال ، مثل أن تلقيه السفينة إلينا ، أو يضل الطريق ، أو يؤخذ بحيلة ، فإنه يفعل فيه الإمام الأصلح من قتله ، أو استعباده ، أو المن عليه ، أو مفاداته بمال أو نفس عند أكثر الفقهاء ، كما دل عليه الكتاب والسنة ، وإن كان من الفقهاء من يرى المن عليه ومفاداته منسوخا .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية