الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الدابة تقف على صاحبها والمتاع يتركه لهلاك دابته أو يطرحه في البحر خوف الغرق فيقذفه البحر أو يخرج منه

                                                                                                                                                                                        وقال مالك مرة في إبل اعترفها رجل وقد كان أسلمها، وقد أنفق عليها: له ما أنفق عليها إن أحب صاحبها أخذها وإن أسلمها فلا شيء عليه .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن وهب: إن أسلمها في ماء وكلإ فهو أحق بها. فعلى قوله إن أسلمها في غير ماء ولا كلإ وما يرى أنه لا يعود إليها إلا وقد هلكت، ألا شيء له فيها، وتكون كالشاة.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في العتبية فيمن ماتت راحلته بفلاة فترك متاعه فأخذه رجل فاحتمله إلى منزله: فصاحبه أحق به، ويغرم أجر حمله. وقال في قوم طرحوا أمتعتهم خوف الغرق، ثم أخذها قوم من ماء البحر: أنها لأصحابها .

                                                                                                                                                                                        وذكر أبو إسحاق ابن شعبان عن الحسن أنه قال: إن أخرجها من ماء البحر فهي له، وإن قذفها البحر كانت لصاحبها. وعن الليث والحسن بن صالح أنها لمن أخذها وإن قذفها البحر إلا أن يقول صاحبها كنت على الرجوع إليها، فيحلف ويأخذها. [ ص: 3214 ]

                                                                                                                                                                                        وأرى إن أرسل الدابة على ألا يعود إليها فأحياها هذا فأقام عليها كانت له بخلاف الشاة يوصلها حية; لأن هذه أسلمها صاحبها ولم يسلم الشاة، ولو علم ضمها إلى غنمه، فإن أخذها هذا بعد أن حييت ولم يعلم إلا بعد أن ساقها كان ربها أحق بها، وإن تركها ليعود إليها وعلم أنه لا يعود إليها إلا وقد هلكت كانت لصاحبها كالشاة يأخذها ثم يجدها صاحبها قبل أن تذبح.

                                                                                                                                                                                        وإن كان متاعا يشق نقله، وتركه صاحبه على ألا يعود إليه، وأخذه رجل ونقله، كان لمن أخذه; لأن صاحبه أباحه للناس لما مضى على ألا يعود، وإن تركه ليعود كان لصاحبه، ولهذا أجر حمله إلا أن يرجع صاحبه بدوابه يحمله فلا أجر له.

                                                                                                                                                                                        وأما المتاع يؤخذ من البحر، فإن كان غرقهم في مرسى ومضى صاحبه ليعود لإخراجه كان له وإن تركه على ألا يعود كان لمن أخرجه، وهو في هذا أبين مما ترك في البر لأن هذا هالك لو لم يخرج، وهو كالشاة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هي لك أو لأخيك أو للذئب"، وإهلاك البحر لها كإهلاك الذئب مع ما يتكلف من المشقة للعطش عليه والخوف على نفسه حينئذ.

                                                                                                                                                                                        وإن قذفه البحر فنقله كان لصاحبه; لأنه فيه على وجهين، إما أن يكون لا يخاف عليه الفساد لو بقي فلم يكن لهذا أن يعرض له، أو يخشى فساده كالمتاع ، فعلى من وجده أن يفتحه وينشره ثم يدعه. [ ص: 3215 ]

                                                                                                                                                                                        ولو مر قوم في سفينة بمتاع قوم قد انكسروا وهو على الماء كان عليهم رفعه إذا كان مرورهم بريح لا يضرهم الإمساك لأخذه، وكذلك إن مروا بناس أحياء فعليهم أن يحطوا لرفعهم. [ ص: 3216 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية