الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في بيع المسلم عبده النصراني البالغ من نصراني]

                                                                                                                                                                                        يجوز للمسلم أن يبيع عبده النصراني -إذا كان بالغا- من نصراني. واختلف في بيعه من اليهودي، فأجازه محمد، ومنعه ابن وهب وسحنون في المستخرجة، للعداوة التي بينهم. وهو أحسن. ولا يجوز أن يضربهم. واختلف في بيع صغار النصارى من النصارى، وفي بيع المجوس والصقالبة والسودان من النصارى، فقال مالك في المدونة: تمنع النصارى من شراء صغار النصارى، وقال في العتبية: فإن بيعوا منهم فسخ البيع. وقال محمد: لا بأس أن يبيع المسلم عبيده النصارى من أهل الكتاب، وإن كانوا صغارا. وقال [ ص: 4309 ] أشهب في كتاب الجهاد من كتاب محمد: وقال مالك- في المدونة في التجار ينزلون بالرقيق من الصقالبة فيشتريهم أهل الإسلام، ثم يبيعونهم مكانهم من أهل الذمة، قال: ما علمته حراما وغيره أحسن منه. وقال- في العتبية في الصقالبة والسودان مثل ذلك: ما علمت حراما، ولا يعجبني، فإن بيعوا منهم فسخ البيع إن كانوا صغارا، وإن كانوا كبارا فلا بأس من بيعهم منهم قال: لأن الصغار يجبرون والكبار لا يجبرون. وقال محمد: فإن فعل بيعوا ما لم يدن بدين.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن ينقض البيع، وإن دانوا بدين؛ لأن من هو في يده متعد في شرائه، وفي تعليمه الكفر، ومعلوم إذا صار بعد ذلك إلى مسلم-أسلم، واستنقذ من الكفر، ومحمل قول مالك وابن القاسم في الإجبار أنه بالتهديد والضرب ونحوه من غير قتل، ولو كان ذلك بالقتل ما حل البيع؛ لأن المشتري قد دخل على ما لا يدرى، هل يجبر أو يقتل؟ ولأنه لا يخلو ذلك العبد من أن يكون اشتري من السبي، ليكون قد استحياه الإمام، فلا يجوز قتله بعد ذلك، أو نزل به أحد من أهل الحرب، فباعه من أحد من المسلمين، فكذلك لا يحل قتله، فإن كانت أمة فذلك أبين؛ لأن النساء لا يقتلن إذا لم يسلمن.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ فيمن اشترى عبدا مجوسيا من المجوس الذين بالعراق، قد سلموا على مجوسيتهم: فهذا لا يجبر على الإسلام، وإنما يجبر الذي يشترى من السبي. يريد: بغير قتل. [ ص: 4310 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم- في العتبية في الروم يقدمون بعبيد من مجوس الصقالبة: يمنعهم الإمام من بيعهم من اليهود والنصارى، صغيرهم وكبيرهم؛ لأنهم يصيرون إلى دين من ملكهم، فإن اشتروهم بيعوا عليهم، ما لم يدينوا بدين من ملكهم؛ لأنهم لم يكونوا يجبرون على الإسلام إذا ملكهم المسلمون. وأجازه ابن عبد الحكم في كتاب محمد، وإن كان صغيرا إذا كان بيد حربي، ألا يمنع من بيعه من أهل الكفر. والأول أحسن.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية