الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في ما إذا كان البذر من عند صاحب الأرض والعمل والبقر من عند الآخر]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان البذر من عند صاحب الأرض والعمل والبقر من عند الآخر، فأجازه سحنون، ومنعه محمد وابن حبيب. فقال سحنون: إذا اشتركا على ذلك على أن ما أخرجه الله -عز وجل- من شيء فلصاحب الأرض والبذر ثلثه، ولصاحب العمل ثلثه، وحق البقر الثلث، وكانت القيم كذلك، جاز.

                                                                                                                                                                                        ومثله إذا كانت البقر من عند صاحب الأرض والبذر، ومن عند الآخر العمل على أن له الثلث، والقيم في ذلك أثلاثا، فهو جائز.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد في مثل هذا: هو فاسد، وقد كان يكون على أصله جائزا; لأنه قال: إذا سلم المتزارعان من أن تكون الأرض لواحد والبذر لواحد جازت الشركة إذا تساويا.

                                                                                                                                                                                        قال ابن حبيب: فإن نزل ذلك كان الزرع لصاحب الأرض والبذر، وللآخر إجارة عمله، إلا أن يقول له: تعال نتزارع على أن يكون نصف [ ص: 4815 ] أرضي ونصف بذري ونصف بقري كراء لنصف عملك، فيكون الزرع بينهما; لأن هذا قبض نصف البذر في أجرته وضمنه.

                                                                                                                                                                                        والصواب في جميع هذا الجواز، كما قال سحنون، إذا دخل على وجه الشركة، وأن يعمل البذر على أملاكهما، وإن كان على أنه يعمل على ملك صاحب البذر وللآخر ثلث ما يخرج، كان فاسدا قولا واحدا; لأنه آجر نفسه بمجهول ما يكون بعد الخروج.

                                                                                                                                                                                        وإن اكتريا الأرض ثم تعادلا فيما سواها جاز، بمنزلة ما لو كانت لهما، وإن اكتراها أحدهما، كان بمنزلة ما لو كانت له.

                                                                                                                                                                                        وأجاز محمد بن المواز وسحنون إذا كانت ملكا لأحدهما فاستأجر الآخر نصيبه منه بدنانير أو بدراهم أو بعروض.

                                                                                                                                                                                        قال سحنون: فإن أخرج أحدهما البذر والآخر كراء الأرض وتكافآ في العمل، لم يجز، ويدخله كراء الأرض بالطعام.

                                                                                                                                                                                        يريد: إذا اكتراها لنفسه، وإن اكتراها لهما وقال: أشاركك بالذي تكتري به، جاز، ولا يدخله كراء الأرض بالطعام.

                                                                                                                                                                                        وذكر سحنون عن ابن دينار أنه قال: إذا كانت الأرض ملكا بينهما أو [ ص: 4816 ] باكتراء ومن عند الآخر البذر ومن عند الآخر العمل أن ذلك لا يجوز. قال: وجعله مثل ذهب بذهب وعرض.

                                                                                                                                                                                        وبنى ذلك على قول مالك: فيمن اكترى أرضه ممن يزرعها طعاما بعسل أو سمن، فمنع ذلك; لأنه يدخله عنده الطعام بالطعام. فإذا جعل ما أخرجت الأرض كان صاحب الأرض بائعه، وإن كانت الزريعة من المكتري. فكذلك تصير الشركة بما أخرجته الأرض يكون طعاما بطعام وعرض، أخرج أحدهما بذرا وما أخرجته أرضه، والآخر العمل وما أخرجته أرضه، وعلى هذا لا تجوز الشركة إذا كان البذر بينهما والأرض لأحدهما; لأنه طعام وأرض بطعام وعمل، وإن كانت الأرض والبذر من عند أحدهما والعمل من عند الآخر جاز.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت الأرض لا خطب لها، جاز أن تلغى ويتساويا فيما سواها، وهو قول مالك وابن القاسم وسحنون ومنعه ابن عبدوس. وإن كانت لا خطب لها إذا كانت ممن له العمل والبذر من عند الآخر، قال: ويدخله كراء الأرض بالطعام. وهو أقيس إذا كانوا يكرونها وإن قل، وإن كانت العادة أنها تمنح جاز. [ ص: 4817 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية